في زمن تتحول فيه المدارس إلى جبهات وتشرد فيه براءة الطفولة تحت وطأة الحروب، يطل “اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات” ليذكر العالم بأن كل كتاب محترق وكل مقعد فارغ هما خسارة للمستقبل.

وقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ74، بدعم من 62 دولة، بالإجماع للاحتفاء باليوم التاسع من سبتمبر/أيلول من كل عام يوما دوليا لحماية التعليم من الهجمات، وذلك بناء على مسودة قرار قدمتها دولة قطر، وبمبادرة من رئيسة مجلس مؤسسة التعليم فوق الجميع، وعضو مجموعة المدافعين عن أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، الشيخة موزا بنت ناصر المسند.

وشاركت مؤسسة التعليم فوق الجميع، واحدة من أكبر المؤسسات العالمية في مجال التنمية والتعليم، المجتمع الدولي في إحياء اليوم الدولي للأمم المتحدة لحماية التعليم من الهجمات، تأكيدا على التزامها المتواصل بالدفاع عن حق التعليم في مناطق النزاع وحالات الطوارئ.

ويأتي احتفاء هذا العام في ظل أزمة تعليمية عالمية متفاقمة، فحتى أوائل عام 2025، يقدر عدد الأطفال المتأثرين بالحروب والنزاعات المسلحة وحالات الطوارئ والمحرومين كليا من التعليم بنحو 85 مليون طفل، بزيادة كبيرة مقارنة بـ72 مليونا عام 2023، وتشير البيانات إلى أن 52% من هؤلاء الأطفال هم من الفتيات، وأكثر من 17 مليونا منهم من ذوي الإعاقة، بينما يمثل الأطفال النازحون قسرا (سواء لاجئين أو نازحين داخليا) حوالي 15 مليون طفل. بحسب تقرير صادر من الأمم المتحدة.

وبحسب التقرير تتركز ما يقارب نصف هذه الحالات في 5 أزمات مطولة، مثل السودان، أفغانستان، إثيوبيا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، وباكستان، ولا تقتصر الأضرار على تدمير المدارس وتشريد الأسر، بل تمتد لتقويض استقرار المجتمعات، إذ تُعد الهجمات على التعليم انتهاكا صارخا للحقوق الأساسية للأطفال، وستكون لها آثار طويلة الأمد ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة واستثمارات جادة في التعليم.

عام تعليمي مدمر

وأضاف التقرير أنه في غزة، أجيال كاملة من الأطفال تفقد حقها في التعليم مع تدمير المدارس على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي أو استخدامها كملاجئ للنازحين، حتى المدارس المعتمدة رسميا كملاجئ أصبحت أهدافا للهجمات. وهوجمت المدارس في السودان أو احتلت أثناء الصراع، ما أدى إلى حرمان ملايين الأطفال من الدراسة.

أما في أوكرانيا بحسب التقرير فتسببت الضربات المتكررة على المؤسسات التعليمية في تعطيل تعليم الملايين، واضطر الأطفال للدراسة في الملاجئ تحت تهديد الهجمات المستمرة. وفي شرق الكونغو الديمقراطية، تستمر الجماعات المسلحة في احتلال المدارس وتحويلها إلى بؤر خوف وصراع، ما يغذي دوامة العنف.

ووثق التحالف العالمي لحماية التعليم من الهجمات أكثر من 6 آلاف بين عامي 2022 و2023، أثرت على أكثر من 10 آلاف طالب ومعلم. هذا يمثل زيادة بنسبة 20% مقارنة بعامي 2020 و2021.

مبادرات دولية

وانسجاما مع المبادرات الدولية قالت المديرة التنفيذية لبرنامج حماية التعليم في حالات انعدام الأمن والصراع، التابع لمؤسسة التعليم فوق الجميع، للجزيرة نت، الدكتورة مليحة مالك، إن “الهجمات على التعليم ليست مجرد أضرار جانبية للنزاعات، بل هي إستراتيجية متعمدة لتقويض مستقبل المجتمعات”.

وأكدت على أن استهداف المدارس والطلاب والمعلمين هو جريمة واضحة وانتهاك صارخ للقانون الدولي، ويهدد الاستقرار على المدى الطويل. وأوضحت أنه لا بد من وضع حد للإفلات من العقاب ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، لأن حماية التعليم تعني حماية مستقل الجميع.

وأضافت مالك أنه “نريد أن نبعث رسالة واضحة، أن التعليم ليس رفاهية يمكن التضحية بها أثناء الصراعات، بل هو شريان حياة للأطفال وأساس لبناء السلام بعد الحروب”.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة لحماية الطفولة (اليونيسيف)، فإن المدارس ليست مجرد مبان وجدران، بل هي ملاجئ آمنة توفر الاستقرار والأمل لبضع ساعات يوميا، وأكدت المنظمة على أن المدارس أماكن حماية ودعم نفسي للأطفال، وتبعدهم عن مخاطر التجنيد في الجماعات المسلحة. وأضافت أن التعليم يقلل من احتمالية تجدد النزاعات على المدى الطويل، إذ يعزز المصالحة، ويقوي النسيج الاجتماعي، ويمنح المجتمعات القدرة على الصمود.

وجاء في تقرير صادر من منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (يونسكو)، أن الخسائر لا تقتصر على الجانب التعليمي، فالبنك الدولي يقدر أن الأطفال المتأثرين بالنزاعات يواجهون خسائر تعليمية تصل قيمتها إلى (71 تريليون دولار)، وكذلك يعمق التعليم المنقطع دوائر الفقر وعدم المساواة والعنف عبر الأجيال.

المدارس ليست للقتال

ومن جانبه قال مدير السياسات والقانون ببرنامج حماية التعليم في النزاع في مؤسسة التعليم فوق الجميع، سراج خان، إن “المدارس يجب أن تبقى أماكن للتعلم وليست ساحات للقتال، وإن الاستمرار في تصوير الهجمات على التعليم باعتبارها حوادث عرضية يعزز الإفلات من العقاب. حان الوقت لتغيير هذه الرواية وإقرار الحقيقة، هذه انتهاكات متعمدة للقانون الدولي”.

وأكد على أن الأطفال الذين يفقدون فرصتهم في التعليم اليوم، هم مجتمعات مهددة بالانهيار، لذلك فإن حماية التعليم ليست التزاما أخلاقيا فقط، بل هي استثمار في استقرار وأمن العالم بأسره.

وفي ظل العنف والنزوح، يتحول الصف المدرسي إلى مساحة للأمن النفسي ومصدر للقوة والصمود، بينما يصبح حرمان الأطفال من الدراسة جرحا غائرا في ضمير الإنسانية، وانتهاكا يهدد استقرار الأجيال القادمة، بحسب الأمم المتحدة.

وأكدت المنظمات الدولية على أن اليوم الدولي لحماية التعليم هو أكثر من محطة سنوية للذكرى، إنه دعوة متجددة لتجديد الالتزام العالمي وتحفيز كل الأطراف على تحويل التضامن إلى خطوات عملية تكرس التعليم كحق مقدس وركيزة أساسية لبناء السلام والاستقرار في العالم.

والجدير بالذكر أنه انطلاقا من دورها المحوري في المناصرة الدولية، تواصل مؤسسة التعليم فوق الجميع جهودها في حماية التعليم أثناء الأزمات، وقد نجحت المؤسسة حتى الآن في دعم أكثر من 7 ملايين طفل من غير الملتحقين بالمدارس في 25 دولة متأثرة بالنزاعات.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version