واشنطن- رغم إزالة السلطات خيمة الاعتصام المعروفة بـ”خيمة السلام” من أمام البيت الأبيض بأمر مباشر من الرئيس دونالد ترامب قبل أيام، لم يتغير المشهد كثيرا في ساحة “لافاييت” فقد نصب المتطوعون مظلة حمراء كبيرة مكان الخيمة، وأحاطوها بلافتات تحمل شعارات ضد الحرب النووية وأخرى تدافع عن قضايا حقوقية وسياسية مختلفة.

وأزيلت الخيمة، التي ظلت قائمة منذ 44 عاما، إثر سؤال من أحد الصحفيين لترامب والذي وصف إياها بـ”القبيحة والمعادية لأميركا” فوجَّه الرئيس أمرا بإزالتها فورا، حيث تحركت، فجر الأحد الماضي، قوات من الشرطة الفدرالية وموظفو خدمة المنتزهات لتفكيك الهيكل القماشي للخيمة.

وتأتي الخطوة في سياق حملة أوسع أطلقتها إدارة ترامب لترتيب المشهد العام بالعاصمة وإزالة ما تعتبره “مخيمات مُشوّهة” لكن سرعان ما أعاد الناشطون تنظيم موقع الاعتصام، معتبرين الإجراء “اعتداء صارخا” على حرية التعبير المكفولة دستوريا.

استعراض للقوة

ويعود تاريخ الخيمة إلى 3 يونيو/حزيران 1981، عندما نصب الناشط الأميركي وليام توماس خيمته الصغيرة ليعلن اعتصاما مفتوحا ضد سباق التسلح النووي، متحديا حرارة صيف العاصمة ورطوبتها، لتتحول مبادرته إلى أطول احتجاج متواصل في تاريخ الولايات المتحدة، تعاقب عليه متطوعون لا ينقطعون عن حراسته ليلا ونهارا.

وتقول واحدة من المتطوعين الذين يتناوبون على الاعتصام منذ سنوات، وتدعى نادين سايلر، إن وجود الخيمة “يزعج الرئيس ترامب، ببساطة لأنها تذكره بأن هناك من يعارضه في قلب عاصمته” وتضيف للجزيرة نت “إنه يريد أن يظهر بمظهر الرجل القوي، لذلك أمر بإزالة الخيمة في خطوة استعراضية وليس لضرورة أمنية”.

ومن جهتها، دافعت مندوبة مقاطعة كولومبيا الديمقراطية، إلينور هولمز نورتون، عن الاعتصام بوصفه ممارسة محمية بموجب التعديل الأول للدستور، مؤكدة أن “حرية التعبير لا تُقاس بجمالية المنظر أمام البيت الأبيض”.

وفي الاتجاه نفسه، حذّرت منظمات حقوقية مثل الاتحاد الأميركي للحريات المدنية “إيه سي إل يو” من أن ما جرى يمثل “سابقة خطيرة تهدد بتقويض حق الاعتصام السلمي” معتبرة أن إزالة الاعتصام بأمر رئاسي مباشر تفتح الباب أمام تقييد احتجاجات مشابهة مستقبلا.

“ذرائع سياسية”

وبرّر البيت الأبيض الخطوة في بيان رسمي وصف فيه الاعتصام بأنه “خطر على زُوَّار البيت الأبيض والمناطق المحيطة” معتبرا الإزالة جزءا من حملة أوسع لـ”تجميل العاصمة” وتعزيز السلامة العامة، حيث أطلقت إدارة ترامب، منذ الشهر الماضي، حملة لإزالة مخيمات المُشرَّدين وتعزيز الوجود الأمني الفدرالي تحت شعار “استعادة النظام والجمال”.

لكن المتطوعة سايلر توضح أن السلطات تُبرِّر قرارها بادعاءات غير صحيحة عن وجود أسلحة أو مخدرات أو حتى فئران في الموقع، بينما “الحقيقة أن الاعتصام مفتوح، لا ينام فيه أحد، ويديره متطوعون فقط يتناوبون ساعات أو أياما متواصلة حسب استطاعتهم”.

وتضيف أن فيليبوس بيلو، الذي يقود الاعتصام منذ سنوات، كان في الموقع لـ3 أيام متواصلة تحسبا من الإزالة، لكنه اضطر للاستراحة، وبعدها بلحظات داهمت السلطات المكان وأزالت الخيمة رغم وجود متطوع آخر حاول منعهم من ذلك.

وتؤكد أن “الاعتصام سيستمر رغم كل الذرائع السياسية التي يتحججون بها، وتواصلنا مع الاتحاد الأميركي للحريات المدنية للترافع من أجل إعادة تنصيب الخيمة”.

رمزية الاعتصام

وجاء أمر ترامب استجابة لضغط سياسي بدأ قبل الواقعة بعدة أشهر، فقد وجَّه النائب الجمهوري جيف فان درو رسالة إلى وزير الداخلية دوغ بورغوم، يطالب فيها بمراجعة قانونية الاعتصام وإزالته، واصفا إياه بـ”المنظر القبيح على مدار الساعة” في قلب العاصمة.

ولم يقتصر الجدل على واشنطن، بل أثارت الخيمة تعاطفا في أوساط دولية وحقوقية، فقد أبدت منظمات وشخصيات سلام عالمية تعاطفها مع قضية الاعتصام.

وكتبت متحدثة باسم لجنة نزع السلاح في رابطة النساء الدولية للسلام والحرية، غلوريا ماكميلان، رسالة إلى صحيفة واشنطن بوست تدعو إلى عدم إزالة الخيمة، مؤكدة أن “الموقع أصبح معلما مُلهِما يرمز لضمان حقنا المكفول في حرية التعبير”.

وأشارت ماكميلان إلى القيمة التاريخية للاعتصام الأطول في التاريخ الأميركي، معتبرة إياه جزءا من التراث النضالي الذي يجب أن يراه زُوَّار العاصمة -بمن فيهم الأطفال- ليعرفوا معنى أن يقف الناس دفاعا عن مبادئهم وقضاياهم العادلة.

ويشدد المتطوع نيل كازينس على أن الاعتصام لم يخالف أي قانون طيلة عقود، وأن حجج السلطات حول “المخاطر الأمنية” مجرد ذريعة لإسكات صوت معارض للحروب.

ويضيف للجزيرة نت “قد يجعل القرار الأمور أصعب علينا في حالات المطر أو الحر الشديد، لكن ما جعل هذا المكان يقاوم الأمطار الغزيرة والعواصف الثلجية والأعاصير وجائحة كوفيد وغيرها، سيجعله يستمر رغم إزالة الخيمة، ويجعلنا أكثر إصرارا وبعزيمة أقوى”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version