في تطور لافت يعكس حالة التوتر السياسي والقانوني في تونس، أعلن كل من راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، وعلي العريض، رئيس الحكومة السابق، عن الدخول في إضراب عن الطعام لمدة ثلاثة أيام. يأتي هذا الإجراء تضامناً مع المحامي العياشي الهمامي، الذي يخوض بدوره إضراباً مفتوحاً عن الطعام للمطالبة بمحاكمة عادلة، في قضية أثارت جدلاً واسعاً. هذا الإضراب يعيد إلى الواجهة قضايا الحريات العامة، واستقلالية القضاء، والمسار السياسي الذي تشهده تونس منذ عام 2021.
دوافع الإضراب وتضامن القياديين التونسيين
الخطوة التي أقدم عليها الغنوشي والعريض ليست منفصلة عن السياق السياسي الأوسع في تونس. فمنذ توليه السلطة، اتخذ الرئيس قيس سعيد سلسلة من الإجراءات الاستثنائية التي يعتبرها البعض “انقلاباً على الدستور”، بينما يراها آخرون ضرورية لتصحيح مسار الثورة. الإضراب عن الطعام هو رسالة احتجاج قوية، تعبر عن رفض القياديين المعارضين لما يعتبرونه “محاكمات غير عادلة وأحكاماً جائرة”.
هيئة الدفاع عن راشد الغنوشي أوضحت أن الإضراب، الذي بدأ يوم 22 ديسمبر 2025، هو تعبير عن المطالبة بسلطة قضائية مستقلة، وبالحرية بشكل عام. وبالمثل، أعلنت هيئة الدفاع عن علي العريض عن مشاركته في الإضراب استجابة لدعوة الهمامي، مؤكدة على أهمية الوقوف إلى جانبه في مطالبه المشروعة. هذه المشاركة الجماعية تهدف إلى تسليط الضوء على القضية، وزيادة الضغط على السلطات التونسية.
قضية العياشي الهمامي: تفاصيل المطالبة بمحاكمة عادلة
المحامي العياشي الهمامي، المعتقل على خلفية اتهامات تتعلق بالتآمر، طالب منذ فترة طويلة بمحاكمة عادلة تضمن حقوقه الأساسية. فبعد توقيفه في الثاني من ديسمبر الجاري تنفيذاً لحكم بسجنه لمدة خمس سنوات، بدأ الهمامي إضرابه المفتوح عن الطعام.
محاموه أكدوا أنه دعا إلى إضراب جماعي لمدة ثلاثة أيام (22-24 ديسمبر) لدعم مطالبته. يُذكر أن الهمامي شغل منصب وزير حقوق الإنسان ورئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية، مما يضفي أهمية خاصة على قضيته، ويثير تساؤلات حول استهداف رموز المجتمع المدني. الهمامي يرى أن القضية المرفوعة ضده تنطوي على دوافع سياسية، وأنه يتعرض لانتهاكات حقوقية.
خلفية الاعتقالات والأحكام الأخيرة في تونس
الإضراب عن الطعام يأتي في سياق حملة اعتقالات طالت العديد من المعارضين السياسيين والمحامين والناشطين في المجتمع المدني، بدءاً من فبراير 2023. وقد وجهت إليهم تهم تتعلق بالمساس بالنظام العام، وتقويض أمن الدولة، والتخابر مع جهات أجنبية، والتحريض على الفوضى.
في نهاية نوفمبر الماضي، صدرت أحكام بالسجن تتراوح بين 5 و45 عاماً بحق المتهمين في هذه القضية. ومن بين المدانين شخصيات بارزة مثل أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص الوطني، ونور الدين البحيري، القيادي في حركة النهضة، ورضا بلحاج، رئيس الديوان الرئاسي الأسبق، وعصام الشابي، أمين عام الحزب الجمهوري، وغازي الشوّاشي، الوزير الأسبق.
موقف السلطات التونسية والجدل الدائر
تؤكد السلطات التونسية أن هذه الاعتقالات والأحكام تمت بناءً على تهم جنائية، وأن القضاء يتمتع بالاستقلالية التامة، وأن السلطة التنفيذية لا تتدخل في شؤونه. إضراب عن الطعام هذا يمثل تحدياً لهذا الموقف.
ومع ذلك، يرى العديد من قوى المعارضة أن القضية ذات طابع سياسي، وأنها تُستخدم لتصفية الخصوم السياسيين، وتقييد الحريات العامة. هذا الرأي يكتسب قوة خاصة في ظل الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيد منذ 25 يوليو 2021، والتي شملت حل مجلس النواب، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
الأزمة السياسية في تونس وتداعياتها
الأزمة السياسية في تونس مستمرة منذ عام 2021، وتشهد البلاد انقساماً حاداً بين مؤيدي الرئيس سعيد، والمعارضين له. المعارضون يعتبرون الإجراءات التي اتخذها سعيد بمثابة انقلاب على الدستور، وترسيخاً لحكم فردي مطلق. بينما يرى المؤيدون أنها تصحيح لمسار الثورة، وضرورية لحماية الدولة من خطر داهم.
الرئيس سعيد يصر على أن إجراءاته تهدف إلى حماية الدولة، وأنها تتوافق مع الدستور، وأنه لا يسعى إلى المساس بالحريات والحقوق. إضراب عن الطعام الذي يخوضه الغنوشي والعريض والهمامي، بالإضافة إلى غيرهم من المعتقلين، يمثل تصعيداً جديداً في هذه الأزمة، ويزيد من الضغوط على السلطات التونسية.
مستقبل القضية والحلول الممكنة
مستقبل هذه القضية غير واضح، ولكن من المؤكد أن الإضراب عن الطعام سيؤدي إلى مزيد من التوتر السياسي والقانوني في تونس. الحل يكمن في الحوار الجاد بين جميع الأطراف، والالتزام بمبادئ الديمقراطية، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان.
من الضروري أيضاً ضمان استقلالية القضاء، وتمكينه من القيام بمهامه دون تدخل أو ضغط من أي جهة كانت. كما يجب الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، وتقديمهم إلى محاكمة عادلة وشفافة. إضراب عن الطعام هذا يجب أن يكون بمثابة دعوة للاستيقاظ، وإعادة النظر في المسار السياسي الذي تسلكه تونس، من أجل بناء مستقبل أفضل لجميع التونسيين. الوضع يتطلب حلاً سريعاً يراعي حقوق الإنسان ويحترم الديمقراطية.



