في خضم التوترات المتصاعدة في المنطقة، كشف تحقيق استقصائي أجرته صحيفة الغارديان البريطانية عن استخدام إسرائيل الذخائر العنقودية خلال حربها الأخيرة في لبنان. هذا الكشف يثير مخاوف جدية حول الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، ويفتح الباب أمام تساؤلات حول طبيعة الأسلحة المستخدمة وتأثيرها على المدنيين. التحقيق، الذي اعتمد على صور حصرية وتحليل خبراء، يقدم أدلة دامغة على استخدام هذه الأسلحة المحظورة، وهو ما لم يحدث منذ حرب عام 2006.
كشف الغارديان: أدلة على استخدام الذخائر العنقودية في لبنان
نشرت صحيفة الغارديان تقريرًا مفصلاً مدعومًا بصور حصرية، أظهرت استخدام إسرائيل للذخائر العنقودية خلال حربها التي استمرت 13 شهرًا في لبنان. هذه الصور، التي فحصها ستة خبراء أسلحة متخصصين، كشفت عن بقايا نوعين مختلفين من الذخائر العنقودية الإسرائيلية في ثلاثة مواقع جنوب نهر الليطاني، تحديدًا في وديان زبقين وبرغز ودير سريان.
خبراء يؤكدون صحة الأدلة
من بين الخبراء الذين قاموا بتحليل الصور، بريان كاستنر، رئيس أبحاث الأزمات في منظمة العفو الدولية، وجنزن جونز، مدير شركة خدمات أبحاث التسلح للاستشارات الاستخباراتية. وقد أكدوا أن الصور تظهر بوضوح بقايا ذخائر عنقودية إسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، تم تحديد قنبلة عنقودية أخرى من قبل خمسة خبراء، على الرغم من أنهم لم يتمكنوا من تحديد الطراز الدقيق بسبب نقص المعلومات المتاحة.
أنواع الذخائر العنقودية المستخدمة
التحقيق كشف عن استخدام إسرائيل لنوعين جديدين من الذخائر العنقودية لم يسبق الإعلان عن استخدامهما من قبل. يتعلق الأمر بصاروخ باراك إيتان (إم 999) عيار 155 ملم، وراعم إيتان الموجه عيار 227 ملم، وكلاهما من إنتاج شركة إلبيت سيستمز الإسرائيلية. هذا يمثل تطوراً مقلقاً، حيث أن هذه الأسلحة تزيد من خطر الإصابات في صفوف المدنيين.
المخاطر الإنسانية للذخائر العنقودية
تعتبر الذخائر العنقودية من الأسلحة المثيرة للجدل بسبب معدل فشلها المرتفع. تشير التقديرات إلى أن حوالي 40% من هذه الذخائر لا تنفجر عند الاصطدام، مما يحولها إلى ألغام أرضية تهدد حياة المدنيين لفترة طويلة بعد انتهاء القتال. هذه الذخائر الفرعية غير المنفجرة تشكل خطراً خاصاً على الأطفال والنساء، الذين قد يتعرضون للإصابة أو القتل عن طريق الخطأ.
تأثير الذخائر العنقودية على المدنيين
وفقًا لتحقيق الغارديان، تتكون الذخائر العنقودية من قنابل تحتوي على عدد كبير من الذخائر الفرعية الصغيرة التي تنتشر على مساحة واسعة، تعادل عدة ملاعب كرة القدم. هذا الانتشار العشوائي يزيد من خطر إصابة المدنيين بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك، فإن معدلات الفشل المعلنة غالبًا ما تكون أقل بكثير من الواقع الميداني، مما يزيد من المخاطر.
القانون الدولي والالتزام الإنساني
على الرغم من أن إسرائيل ليست طرفًا في اتفاقية حظر الذخائر العنقودية، إلا أن استخدامها لهذه الأسلحة يثير تساؤلات حول التزامها بالقانون الدولي الإنساني. يرى العديد من الخبراء أن استخدام هذه الأسلحة، حتى في غياب التزام قانوني مباشر، يمثل انتهاكًا للمبادئ الإنسانية الأساسية. القانون الدولي الإنساني يركز على حماية المدنيين وتقليل المعاناة غير الضرورية في أوقات الحرب.
سياق الحرب وتداعياتها
الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي استهدفت حزب الله، أسفرت عن مقتل حوالي 4 آلاف لبناني و120 إسرائيليًا، وتسببت في دمار واسع النطاق في جنوب لبنان. الغارات الجوية مستمرة حتى بعد توقيع وقف إطلاق النار. لبنان يعاني بالفعل من تداعيات حرب عام 2006، حيث لا تزال آلاف الذخائر غير المنفجرة تشكل تهديدًا مستمرًا للمدنيين. الوضع يتطلب جهودًا مكثفة لإزالة هذه الذخائر وتأمين سلامة السكان.
الحاجة إلى تحقيق مستقل
التحقيق الذي أجرته الغارديان يبرز الحاجة الملحة إلى إجراء تحقيق مستقل ومحايد في استخدام الذخائر العنقودية في لبنان. يجب تحديد المسؤولين عن استخدام هذه الأسلحة ومحاسبتهم على أفعالهم. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل للامتثال للقانون الدولي الإنساني وتجنب استخدام الأسلحة التي تشكل تهديدًا على المدنيين. التعامل مع مخلفات الحرب يتطلب تعاونًا دوليًا لضمان مستقبل آمن للمدنيين اللبنانيين.
في الختام، يكشف تحقيق الغارديان عن جانب مظلم من الصراع في لبنان، ويسلط الضوء على المخاطر الإنسانية للذخائر العنقودية. هذا الكشف يتطلب رد فعل دولي قوي لضمان حماية المدنيين والالتزام بالقانون الدولي الإنساني. ندعو إلى مزيد من الشفافية والمساءلة في استخدام الأسلحة في النزاعات المسلحة، وإلى جهود مكثفة لإزالة الذخائر غير المنفجرة وتأمين سلامة المجتمعات المتضررة.


