في خطوة تاريخية تعكس تحولاً كبيراً في المشهد السياسي والأمني، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن انتهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) بعد 22 عاماً من العمل الدؤوب. هذا الإعلان، الذي جاء خلال حفل رسمي في بغداد يوم السبت، يؤكد على أن العراق قد استعاد عافيته وأصبح “دولة طبيعية” قادرة على المضي قدماً نحو مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً. هذا التحول الهام يستدعي تسليط الضوء على دور يونامي في دعم العراق خلال العقود الماضية، والأسباب التي أدت إلى إنهاء هذه المهمة، والآفاق المستقبلية للعلاقات بين العراق والأمم المتحدة.

تاريخ بعثة يونامي ودورها المحوري في العراق

تأسست بعثة يونامي في عام 2003 بقرار من مجلس الأمن الدولي، استجابة لطلب رسمي من الحكومة العراقية في أعقاب الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق. كان الهدف الرئيسي للبعثة هو دعم جهود العراق في استعادة سيادته وبناء مؤسساته الديمقراطية. في البداية، ركزت يونامي على تقديم المساعدة الإنسانية وتسهيل الحوار السياسي بين مختلف الفصائل العراقية.

توسيع الصلاحيات والتحديات المبكرة

بعد أربع سنوات من تأسيسها، تم توسيع صلاحيات يونامي لتشمل مجالات إضافية مثل المساعدة في تنظيم الانتخابات ودعم إصلاح القطاع الأمني. ومع ذلك، واجهت البعثة تحديات كبيرة، بما في ذلك الهجوم الإرهابي الذي استهدف مقرها في بغداد عام 2003، والذي أسفر عن مقتل ممثل الأمم المتحدة الخاص في العراق، سيرجيو فييرا دي ميللو، و21 آخرين. على الرغم من هذه الصعوبات، استمرت يونامي في أداء مهامها، وساهمت بشكل فعال في تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في العراق.

أسباب إنهاء مهمة يونامي: نحو الاستقلال والسيادة الكاملة

إن قرار إنهاء مهمة يونامي لم يكن مفاجئاً، بل جاء نتيجة لتقييم دقيق للوضع في العراق، وتلبية لطلب الحكومة العراقية. فمع مرور الوقت، وتحسن الأوضاع الأمنية والسياسية، ارتأت السلطات العراقية أن البلاد قد استعادت قدراً كافياً من الاستقرار والقدرة على إدارة شؤونها بنفسها.

بالإضافة إلى ذلك، فإن إنهاء مهمة يونامي يمثل خطوة مهمة نحو استعادة العراق لسيادته الكاملة، والتأكيد على قدرته على بناء مستقبل أفضل لشعبه دون الحاجة إلى تدخل خارجي. هذا لا يعني التقليل من أهمية الدعم الدولي، بل يعني أن العراق أصبح الآن في وضع يسمح له بتحديد أولوياته بنفسه، والتعاون مع المجتمع الدولي على أساس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

تصريحات غوتيريش والسوداني: بداية فصل جديد

خلال حفل اختتام عمل البعثة، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن انتهاء مهمة يونامي لا يعني انتهاء دور الأمم المتحدة في العراق. وأضاف أن الأمم المتحدة ستواصل دعم الشعب العراقي في مساره نحو السلام والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان. كما شدد غوتيريش على أن العراق أصبح الآن “دولة طبيعية”، وهو ما يعكس الاعتراف الدولي بالتحولات الإيجابية التي شهدها العراق في السنوات الأخيرة.

من جانبه، قال رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، إن إنهاء مهمة يونامي لا يعني نهاية الشراكة بين العراق والأمم المتحدة، بل يمثل بداية فصل جديد في مجالات التنمية والنمو الاقتصادي الشامل وتقديم المشورة. وأشار السوداني إلى أن الحكومة العراقية تتطلع إلى مواصلة التعاون مع الأمم المتحدة في مختلف المجالات، بما يخدم مصالح الشعب العراقي. هذا التعاون المستمر سيشمل مجالات مثل التعليم والصحة والبيئة وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى دعم جهود العراق في تحقيق التنمية المستدامة.

مستقبل العلاقات بين العراق والأمم المتحدة: شراكة مستدامة

على الرغم من انتهاء مهمة يونامي، فإن العلاقات بين العراق والأمم المتحدة ستستمر في التطور والازدهار. فالأمم المتحدة لديها العديد من الوكالات والبرامج التي تعمل في العراق في مجالات مختلفة، وستواصل هذه الوكالات والبرامج تقديم الدعم والمساعدة للشعب العراقي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن العراق عضو فعال في الأمم المتحدة، وسوف يستمر في المشاركة في مختلف الأنشطة والفعاليات التي تنظمها الأمم المتحدة. كما أن العراق يتطلع إلى لعب دور أكبر في تعزيز السلام والأمن الدوليين، والتعاون مع المجتمع الدولي في مواجهة التحديات العالمية المشتركة. إن مستقبل هذه الشراكة يعتمد على بناء الثقة المتبادلة، والاحترام المتبادل، والالتزام المشترك بتحقيق الأهداف المشتركة. الاستقرار السياسي والاقتصادي في العراق، بالإضافة إلى تعزيز الحوكمة الرشيدة، سيكونان أساسيين لنجاح هذه الشراكة.

الخلاصة: صفحة جديدة في تاريخ العراق

إن انتهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) يمثل لحظة فارقة في تاريخ العراق الحديث. فهو يعكس التحولات الإيجابية التي شهدها العراق في السنوات الأخيرة، واستعادته لسيادته وقدرته على إدارة شؤونه بنفسه. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن العراق قد وصل إلى نهاية المطاف، بل يمثل بداية فصل جديد في مسيرة التنمية والازدهار. إن التحديات التي تواجه العراق لا تزال كبيرة، ولكن مع العزيمة والإصرار والتعاون مع المجتمع الدولي، يمكن للعراق أن يتغلب على هذه التحديات، ويحقق مستقبلًا أفضل لشعبه. نأمل أن يشكل هذا الانتقال بداية لعهد من الاستقرار والازدهار الدائمين للعراق.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version