في الوقت الذي تسعى فيه جهود الوساطة للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، تواصل إسرائيل تصعيد عملياتها العسكرية في كل من غزة والضفة الغربية. يرى محللون أن هذا التصعيد يعكس تمسكًا بإبقاء حالة الحرب قائمة، واشتعال الجبهات، وترسيخ الاحتلال في أكثر من نصف قطاع غزة. هذا التطور يثير تساؤلات حول مستقبل المفاوضات، ومسار الصراع، والوضع الإنساني المتدهور في الأراضي الفلسطينية.
تصعيد إسرائيلي متزامن في غزة والضفة الغربية
بدأت قوات الاحتلال عملية عسكرية واسعة النطاق في شمال الضفة الغربية بالتزامن مع تصعيد في قطاع غزة، شمل غارات جوية وتفجيرات داخل “الخط الأصفر” (المنطقة الحدودية). يأتي هذا التصعيد رغم الدعوات المتكررة للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.
ووفقًا لصحيفة معاريف الإسرائيلية، فإن العملية في الضفة الغربية جاءت بعد رصد تصاعد في احتمالية وقوع عمليات فلسطينية، وجهود لتشكيل كتائب مسلحة جديدة. في الوقت نفسه، استشهد أربعة فلسطينيين نتيجة قصف إسرائيلي استهدف مناطق مختلفة في قطاع غزة، بما في ذلك بيت لاهيا، ومخيم المغازي، وبني سهيلا. كما تم تدمير مبانٍ في مناطق شمال رفح وشرق مدينة غزة.
خروق مستمرة للاتفاق وارتفاع عدد الضحايا
وثق مكتب الإعلام الحكومي الفلسطيني أكثر من 500 خرق للاتفاق منذ بدء تنفيذه قبل ستة أسابيع، مما أسفر عن استشهاد 350 فلسطينيًا وإصابة أكثر من 900 آخرين، بالإضافة إلى اعتقال حوالي 40 شخصًا. هذه الخروق المتكررة تثير الشكوك حول جدية إسرائيل في الالتزام بالاتفاق، وتزيد من تعقيد عملية الانتقال إلى المرحلة الثانية.
دوافع إسرائيلية وراء التصعيد
يرى الدكتور مهند مصطفى، الخبير في الشأن الإسرائيلي، أن إسرائيل تسعى من خلال هذا التصعيد إلى إبقاء الجبهات مشتعلة. ويضيف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يهدف إلى إرضاء قاعدته الانتخابية المتطرفة، بعدما فشل في تحقيق مكاسب إقليمية من خلال توسيع اتفاقات التطبيع.
العودة إلى أهداف الحرب: الاحتلال والتهجير
مع تزايد الضغوط الداخلية والخارجية، لم يعد أمام نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، خيارات كثيرة سوى العودة إلى تحقيق أهداف الحرب الأصلية، والتي تتمثل في الاحتلال والتهجير. بالإضافة إلى ذلك، تسعى إسرائيل إلى منع إقامة أي بنية وطنية في الضفة الغربية، بهدف القضاء على أي أمل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
الضفة الغربية: جبهة محتملة للمواجهة
يؤكد الدكتور مصطفى أن إسرائيل تخشى من اشتعال الضفة الغربية بسبب الضغط غير المسبوق وعمليات الضم التاريخية التي قامت بها. لذلك، لن توقف عملياتها في الضفة الغربية حتى لو سلمت المقاومة في غزة سلاحها. هذا السلوك الإسرائيلي يتجلى في العمليات العسكرية شبه اليومية في مختلف مدن الضفة الغربية.
حصار طوباس واقتحام المخيمات
فرضت قوات الاحتلال حصارًا شاملاً وحظرًا للتجول في مدينة طوباس، واقتحمت مخيم الفارعة والعديد من البلدات والقرى المحيطة. كما طردت قوات الاحتلال عددًا من السكان من منازلهم وحولتها إلى ثكنات عسكرية. هذه الإجراءات تهدف إلى توسيع المستوطنات، وترهيب الشعب الفلسطيني، وحصر وجوده في أضيق مساحة ممكنة، وتقييد حركته وعمله لإجباره على مغادرة أرضه.
محاولة لفرض واقع جديد بالقوة
بهذا التصعيد، تحاول إسرائيل فرض واقع جديد بالقوة، سواء في غزة أو الضفة الغربية، التي لا تزال تمثل جبهة محتملة للمواجهة. ويرى الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا أن حكومة نتنياهو تحاول تحويل الضفة الغربية إلى مجموعة كانتونات معزولة، بهدف دفع الناس إلى الهجرة.
توقعات بتصعيد إضافي وتقسيم غزة
يرجح الأكاديمي الفلسطيني أن تلجأ إسرائيل إلى تقسيم المرحلة الثانية من الاتفاق إلى مراحل، معربًا عن اعتقاده بأنها لن تنسحب من قطاع غزة ما لم يتم نزع سلاح حركة حماس. وهذا الموقف الإسرائيلي يهدد الاتفاق ككل، حيث شدد نتنياهو على ضرورة وضع جدول زمني لنزع السلاح، وإلا فإنه سيتخذ إجراءات أخرى.
في المقابل، يعتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة بير زيت غسان الخطيب أن هناك توافقًا أمريكيًا إسرائيليًا على ترسيخ تقسيم غزة بين إسرائيل وحماس، لأن هذا الوضع “سيكون مريحًا لإسرائيل التي لم تعد تواجه مخاطر أمنية وليس لديها أسرى في القطاع”. هذا التقسيم سيمنح نتنياهو نصف القطاع الخالي من السكان لتحويله إلى منطقة عازلة.
دور الولايات المتحدة ومستقبل المفاوضات
يرى الخبراء أن على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التحرك لإيجاد حل، كونه رئيس مجلس السلام في غزة. ويرون أن السبيل الوحيد لتقدم الاتفاق وإخراج إسرائيل من القطاع هو التفاوض الأمريكي المباشر مع حركة حماس. ومع ذلك، يخشى الفلسطينيون من إطالة أمد الوضع الراهن، ويشعرون بالقلق بسبب الموقف الأمريكي الضبابي الذي يتجاهل الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة. الوضع في غزة والضفة الغربية يتطلب تدخلًا دوليًا فوريًا لضمان حماية المدنيين، ووقف التصعيد، وإعادة إطلاق عملية السلام. المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية لا تزال تواجه تحديات كبيرة، ويتطلب تحقيق السلام حلًا عادلاً وشاملاً للقضية الفلسطينية. الوضع الإنساني في غزة يتدهور بشكل مستمر، ويتطلب توفير المساعدات الإنسانية العاجلة للسكان المتضررين.



