منذ أكثر من 5 عقود، تحوّل ملف الآثار في الضفة الغربية من شأنٍ ثقافي تاريخي إلى أداة هندسية تُستخدم لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية وتثبيت السيطرة على الأرض والذاكرة المكانية والتاريخية الفلسطينية، وذلك عبر الاستيلاء على المواقع الأثرية وتغيير روايتها.

## ذراع سرقة الآثار

في أغسطس/آب 2025 وزّعت الإدارة المدنية التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية كراسة أوامر عسكرية لتصنيف 63 موقعاً في الضفة الغربية “مواقع تاريخية وأثرية إسرائيلية” من بينها 59 موقعاً تقع في محافظة نابلس، و3 مواقع في محافظة رام الله، وموقع واحد في محافظة سلفيت. ومن أبرز المواقع المشار إليها في تصنيف الاحتلال الإسرائيلي تل الراس، وجبل جرزيم، وجبل عيبال، وخان اللبن وغيرها.

### توسع صلاحيات سلطة الآثار الإسرائيلية

حدث التغير منذ يناير/كانون الثاني 2023، حيث اتخذت إسرائيل قرارات أبرزها القراران 90 و786، اللذان توسعت بموجبهما صلاحيات سلطة الآثار الإسرائيلية وسيطرتها على المواقع الأثرية لتشمل الضفة المحتلة. كما أن التحوّل الأبرز جاء مع التعديلات التشريعية التي اقترحها عضو الكنيست عن حزب الليكود أميت هاليفي على قانون سلطة الآثار.

## كيف يتم النهب؟

تكشف مراجعة دقيقة لمحتوى الأوامر العسكرية الإسرائيلية وخرائطها المرفقة أن تلك الإعلانات تندرج ضمن إستراتيجية أوسع تهدف إلى اختلاق مناطق محمية عازلة حول المستوطنات، ومنع التمدّد العمراني والزراعي الفلسطيني، وفرض واقع ميداني جديد تحت غطاء قانوني وثقافي. وتبدأ العملية بإصدار إعلان عسكري يعرّف الموقع المراد السيطرة عليه بأنه “مكان تاريخي يحتوي على آثار”.

### دور الجامعات الإسرائيلية في النهب

تشارك جامعاتٌ إسرائيلية بارزة في سرقة ونهب الآثار بالضفة المحتلة منذ سنوات. وتزاول جامعة أريئيل حفرياتٍ ومسوحًا ميدانية موثّقة في الأغوار والضفة المحتلة، وتُظهر منشورات ومعارض الجامعة العبرية حضورًا ميدانيًا ومنهجيًا منتظمًا في صحراء القدس الممتدة إلى شمال الضفة المحتلة.

## التمويل الإنجيلي والتوراتي

وراء كثير من الحفريات الإسرائيلية بالقدس والضفة المحتلتين تمويل قادم من منظمات مسيحية إنجيلية وتوراتية بالولايات المتحدة وأوروبا. وتُظهر وثائق أن جمعية إلعاد/مدينة داود تلقّت أكثر من 450 مليون شيكل بين سنوات 2006-2013. كما كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن تحويل متبرعين أميركيين أكثر من 220 مليون دولار خلال السنوات 2009-2013 إلى جمعيات استيطانية بالضفة والقدس المحتلتين.

في ختام هذا التحليل، يظهر بوضوح أن ملف الآثار في الضفة الغربية قد تحول إلى أداة سياسية تُستخدم لتعزيز السيطرة الإسرائيلية وتغيير الرواية التاريخية. يتطلب الأمر تكاتف الجهود الدولية والفلسطينية لوقف هذا النهب الثقافي والتاريخي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version