بعد إعلانه وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، نشر الرئيس الأميركي دونالد ترامب عدة منشورات وتصريحات أشاد فيها برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو (المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية) ودعا خلالها إلى إصدار عفو رئاسي عنه في قضايا الفساد التي يحاكم عليها في المحاكم الإسرائيلية منذ عدة سنوات.

ورد الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ بقوله إنه من المناسب اختتام محاكمة نتنياهو في هذا الوقت باتفاق على صفقة إقرار بالذنب، وفيما يتعلق بالعفو أوضح أنه لا يمكن أن تبدأ العملية إلا بتقديم طلب عفو نيابة عن نتنياهو.

اجتماع سري

وكانت القناة 12 قد كشفت الخميس الماضي عن وجود محادثات سرية بين الادعاء العام وفريق الدفاع عن نتنياهو للوصول إلى صفقة ادعاء بواسطة رئيس المحكمة العليا المتقاعد أهارون باراك.

وأضافت القناة أنه في الشهر الماضي عُقد اجتماع سري في منزل القاضي المتقاعد باراك في تل أبيب، وحضر الاجتماع فريق الدفاع عن نتنياهو، وكان هذا الاجتماع قبل بدء الاستجواب المضاد الذي يهدف إلى الكشف عن التناقضات أو الثغرات في أقوال المتهم نتنياهو.

وأكد باراك أنه في جميع الأحوال سيكون اعتزال نتنياهو للسياسة أمرًا ضروريا، في حين قال محاميه عميت حداد إن لموكله شروطًا أساسية، وهي أن لا تقاعد من الحياة السياسية ولا صفة العار بسبب التهم، وهي صفة ستمنع نتنياهو من الترشح للانتخابات أو إدارة أي منصب حكومي.

ونقلت قناة كان 11 العبرية عن مسؤول كبير في المفاوضات أن تصريحات ترامب لم تنشر عبثا، إنها جزء من خطوة كبيرة تهدف إلى إنهاء محاكمة نتنياهو، إضافة إلى خطوات تتعلق بالحرب على غزة وقضايا إقليمية ذات أهمية كبرى.

وكشف بن كسبت الكاتب في صحيفة معاريف أن تصريحات ترامب بشأن محاكمة نتنياهو كانت منسقة مسبقا بينهما، حيث وُلدت الفكرة خلال زيارة نتنياهو الأولى لواشنطن، وكان ترامب، وفقًا للمصادر، مستعدا للحديث عن المحاكمة. أما نتنياهو، على ما يبدو، فقد فضّل الانتظار، كانت لديه خطة لأنه كان يعلم أن القضية الإيرانية تقترب، وفضّل أن يحدث كل هذا في لحظة في ذروة الأحداث.

وأضاف بن كسبت: الآن خرج هذا للعلن، وبقوة كبيرة، كجزء من عملية إسرائيلية أميركية، بمشاركة الرؤساء الثلاثة، ترامب وهرتسوغ وأهاون براك، والهدف من العملية الواسعة تسوية إقليمية جديدة في الشرق الأوسط، وإلغاء التحقيق المضاد لبنيامين نتنياهو.

وأوضح أن نتنياهو بات مستعدا لصفقة الإقرار بالذنب من خلال الاعتراف بتهم مخففة، ويحكم عليه بعقوبات خفيفة من دون اعتقال، لكنه يرفض وصمة العار التي تجبره على ترك الحياة السياسية، وهو مستعد للاعتزال بعد نهاية ولايته الحالية.

حرب الاستنزاف تفسد النشوة

في ظل الأجواء التي تسيطر على الفضاء العام في إسرائيل، لا يزال نتنياهو يعيش وأنصاره من اليمين المتطرف حالة من النشوة غير المسبوقة بعد الحرب على إيران.

وتدل استطلاعات الرأي، التي أجرتها القناة 14 اليمينية المتطرفة وقناة أي 24 نيوز الرسمية وقناة 12 وموقع والا وصحيفة معاريف، خلال يومي الخميس والجمعة الماضيين على ارتفاع كبير في شعبية نتنياهو الشخصية، وعلى زيادة في قوّة الليكود كحزب، مع بقاء “معسكر اليمين الداعم لنتنياهو” على ضعفه.

اعتبر الخبير في الأمن القومي العقيد الاحتياط كوبي ماروم، في مقال نشرته القناة 12، أن الإنجازات في مواجهة البرنامج النووي الإيراني والصواريخ الباليستية تُمكّن القيادة السياسية ورئيس الوزراء من اتخاذ قرار بإنهاء الحرب في قطاع غزة بقوة.

وقال إن حرب غزة تتجه بشكل متزايد نحو حرب استنزاف، وهو ما لا يُسهم في تحرير الرهائن، بل يُعرّضهم للخطر ويُقيّد قدرة الجيش الإسرائيلي على القتال، ولن يُدمّر حركة حماس، معتقدا أن إنهاء الحرب في غزة “سيكون رافعة إستراتيجية لإنجازات الجيش”.

في المقابل، يصف عضو الكنيست السابق والمحاضر في الدراسات الإسرائيلية جمال زحالقة ما حققته إسرائيل في الحرب على إيران بأنها “نجاحات تكتيكية وازنة، إلا أنها فشلت إستراتيجيا”.

وأضاف أن الشعور بالنشوة يأتي من الصورة التي يجري تسويقها عن الواقع، معتبرا أن جزءا مما نراه من نشوة هو “فرحة مصطنعة”، وجزء آخر ناتج عن تصديق دعاية نتنياهو وترامب.

ولفت إلى أن أهم أسباب النشوة عند أنصار نتنياهو واليمين المتطرف هو المراهنة على أن الحرب على إيران سترفع من شعبية نتنياهو وائتلافه الحاكم، ويجعله يرمم مكانته وقدرته على الفوز في الانتخابات القادمة.

من جهته، يرى المختص في الشأن الإسرائيلي فراس ياغي أنه رغم الزخم الذي حصل عليه نتنياهو بسبب حروبه، خصوصًا العدوان على إيران، “فإنه لا يؤهله لإقامة حكومة في انتخابات مبكرة، لذلك يريد نتنياهو استغلال الدعم الداخلي له لإحداث ضغوط داخلية للوصول لصفقة ادعاء معه”.

وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن الإدارة الأميركية ترى أن مصلحة إسرائيل في البعد الإستراتيجي إنهاء الحرب في غزة، فالحكومة الحالية بسبب تركيبتها الائتلافية غير قادرة على إنهاء هذه الحرب، مما سيؤثر على الإنجازات التي حققتها إسرائيل في المنطقة.

إنهاء حرب غزة

وربط كثير من المعلقين إنهاء حرب غزة بوقف إطلاق النار مع إيران، إضافة للتلميح بأن الانتخابات ستكون هي السبيل لنتنياهو لحصاد منجزاته من حرب إيران.

وبحسب المحللة السياسية للقناة 12 دفنا ليئيل، فإن نتنياهو يدرك استحالة إجراء الانتخابات المبكرة طالما استمر القتال في قطاع غزة، وقد جادل بنفسه سابقًا باستحالة إجراء الانتخابات أثناء الحرب، فمن المستحيل الترويج لرؤية “شرق أوسط جديد” عندما يبدأ كل صباح بإعلان “سمح بالنشر الصاخب” (أي الإعلان عن قتلى الجيش في قطاع غزة).

واعتبر البروفيسور إيلي فودا المحاضر في قسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في الجامعة العبرية، في مقال نشرته القناة 12 الأربعاء الماضي، أن حرب قطاع غزة التي أصبحت الآن مهمّشة، لكنها لا تزال محورية في مكانة إسرائيل في المنطقة وموقف أعضاء التحالف منها.

وأضاف أنه إذا كان السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 قد أدى في نهاية المطاف إلى حرب على إيران، فإن ذلك ينبغي أن يؤدي إلى إغلاق الدائرة من خلال “إزالة آثار هجوم السابع من أكتوبر”، معتبرا أن تغيير علاقة إسرائيل بالدول الإقليمية لن يتحقق إلا بعد انتهاء الحروب في جميع القطاعات، والتوصل إلى حلٍّ سياسيٍ يشمل ليس فقط الملف الإيراني، بل أيضا ملف غزة كجزءٍ من حلٍّ أشمل للملف الفلسطيني.

ويرى زحالقة أن أحد السيناريوهات التي رسمها نتنياهو، تبدأ باختيار موعد ملائم لإنهاء الحرب على غزة وتحرير جميع المحتجزين الأسرى، وإعلان الانتصار والذهاب لانتخابات مبكّرة، “فهذا السيناريو ما زال قائما، وتنفيذه يحتاج إلى إنشاء وضع فيه مصداقية لإعلان النصر”.

ورجح أن يكون هذا الوضع هو حراك تطبيعي واسع يجرف معه حرب غزة وينهيها، وتبقى هناك إمكانية أن يقبل نتنياهو بمقترح أميركي لإنهاء الحرب مع هدايا أميركية وازنة، مما يسمح لنتنياهو بإعلان النصر.

وأضاف أن أكثر ما يخشاه نتنياهو هو أن يضطر إلى وقف الحرب من دون أن تكون عنده المصداقية الكافية لإعلان النصر، لذا فإن حسابات نتنياهو بالنسبة للانتخابات المبكرة لا تتعلق بإنهاء الحرب، بل بإعلان النصر، أملا بالفوز بالانتخابات. أمّا إذا اضطر إلى إنهاء الحرب بلا قدرة على ادعاء النصر، فهو لن يذهب إلى انتخابات مبكرة.

في المقابل يربط المختص في الشأن الإسرائيلي فراس ياغي إنهاء الحرب على قطاع غزة بتصريحات الرئيس ترامب التي طالب فيها الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ بإصدار عفو عن نتنياهو، الذي لن يذهب لصفقة شاملة، منها إنهاء الحرب على غزة، دون أن يضمن إسقاط تهم الفساد التي يحاكم عليها، حينها سيغامر ويذهب لإنهاء الحرب ضمن صفقة شاملة ويفكك حكومته ويذهب لانتخابات مبكرة.

وأضاف “إنهاء الحرب مرتبط بمقدرة الرئيس الأميركي على الضغط على الداخل الإسرائيلي للحصول على عفو رئاسي عن نتنياهو، وإسقاط التهم، أو الوصول لصفقة إقرار ذنب تشمل اعتزال نتنياهو السياسة، وهذا الخيار مستبعد من قبل نتنياهو الذي يريد أن يخلد في إرثه بأنه ضرب إيران، ويرى أنه يستحق إعفاءه من التهم التي يحاكم عليها”.

الانتخابات

في مقابل الحديث عن صفقة إقرار بالذنب لإقصاء نتنياهو من الحياة السياسية بعد ولايته الحالية، تنقل وسائل الإعلام الإسرئيلية تصريحات وتحليلات لمعلقين ومحللين بأن نتنياهو يعيد تسويق نفسه من جديد كمنتصر وقوي بعد فشل السابع من أكتوبر، كما بات الحديث عن انتخابات مبكرة الشغل الشاغل لوسائل الإعلام الإسرئيلية.

وكتب المستشار في الاتصالات الإستراتيجية ميمي فار في يديعوت أحرونوت أول أمس الجمعة أن نتنياهو في حالة انتخابية بالفعل، ورأينا احتفالاته بالنصر في مواقع الغارات والمؤتمرات الصحفية والتصريحات التي أدلى بها خلال النجاحات.

وبحسب المحللة السياسية للقناة 12 دفنا ليئيل، فإن الآراء تنقسم بين حاشية نتنياهو، إذ يرى البعض أن السعي لإجراء انتخابات سريعة أمرٌ جدير بالاهتمام، بينما لا تزال إنجازات إيران غامضة، وهناك المزيد من الإنجازات في الأفق، ويرى آخرون أن التخلي عن عام كامل في السلطة مع ائتلاف مستقر ضربٌ من الجنون، خاصةً مع عدم حسم نتائج الانتخابات.

أما ما يحسم الفوز في الانتخابات وتشكيل الحكومة بعد الانتخابات المقبلة فهو قوة معسكر اليمين الداعم لنتنياهو مقابل منافسيه، وهي أن يبلغ عدد أعضاء الكنيست التابعين للائتلاف الحكومي 68 عضوا من أصل 120، وهذه أغلبية ثابتة ومتماسكة، أمّا في الاستطلاعات فقوة جميع الأحزاب المكونة لائتلاف نتنياهو فهي حوالي 50 عضوا.

ويرى عضو الكنيست السابق جمال زحالقة أنه حتى بعد الحرب على إيران، وإذا حصل ارتفاع في قوة حزب الليكود، فهو يأتي على حساب بقية الأحزاب في معسكر نتنياهو وليس على حساب المعارضة، ولا تشجّع الاستطلاعات الأخيرة نتنياهو على تبكير موعد الانتخابات لأن في ذلك مغامرة قد تكلّفه خسارة السلطة.

وأضاف أن الخوف من خسارة الانتخابات تدفع نتنياهو إلى مواصلة الحرب على غزة “علّه يحقق فيها مكاسب يستطيع تسويقها للشارع الإسرائيلي وتساعده في الفوز بالانتخابات”.

وتوقع المختص ياغي أن الانتخابات المبكرة قد تجرى في مارس/آذار 2026 إذا تم الوصول لتوافقات داخلية لإنهاء الحرب على غزة، في حين أن موعد الانتخابات الرسمي هو أكتوبر/تشرين الأول 2026، “هذا إذا وصل نتنياهو لقناعة بأن الانتخابات المبكرة ستكون لصالحه، ولكن إذا لم يصل لقناعة فكيف سيغامر بانتخابات مبكرة ويسقط حكومته المستقرة؟”.

وأضاف في حال ذهاب نتنياهو لانتخابات مبكرة فلن يستطيع الليكود الحصول على عدد المقاعد التي تساعده على تشكيل حكومة كالحكومة الحالية من اليمين المتطرف والتي تعطل مشاريع ترامب في المنطقة وعلى رأسها توسيع اتفاقيات التطبيع.

توقعات مستقبلية

استطلاعات الرأي المنشورة هذا الأسبوع والتي تلت العدوان على إيران ليست إيجابية بالنسبة لنتنياهو، بحسب دفنا ليئيل، التي تضيف “في الواقع نتنياهو هادئ نسبيًا، فلديه المزيد من الأوراق في جعبته دبلوماسيا وسياسيا”. وقالت إنه سيواصل سعيه لتشكيل قائمة أمنية يمينية وسطية تُلحق الضرر بخصمه وتنضم إليه بعد الانتخابات، وبالطبع سيُبقي سموتريتش في الساحة، كما يملك نتنياهو ورقة رابحة أخرى في مقدمتها دونالد ترامب.

من جهته، يرى زحالقة أن المعارضة تضم كتلة يمينية قوية جدا لكن قادتها يرفضون الدخول في ائتلاف مع نتنياهو، لذا يسعى إلى تشكيل قائمة يمينية جديدة تكون مستعدة للتحالف معه وتسحب الأصوات من المعارضة.

كما يعمل نتنياهو على ضمان نجاح جميع القوائم اليمينية بما فيها حزب الصهيونية الدينية الذي يرأسه بتسلئيل سموتريتش، في المقابل بدأ حزب الليكود بحملة قانونية وسياسية لشطب أحزاب عربية ومنعها من المشاركة في الانتخابات، أملا في إضعاف الكتلة العربية وبالتالي زيادة قدرة نتنياهو على تشكيل حكومة.

ويرى ياغي أن نتنياهو سيذهب لصفقة جزئية مع غزة بالاتفاق مع الرئيس الأميركي حتى يتم إنضاج الوضع الداخلي لإعفاء نتنياهو من التهم، أو عقد صفقة إقرار بالذنب والذهاب لانتخابات مبكرة، وذلك بعد التوصل لصفقة جزئية لمدة شهرين سيتم تمديها لشهرين إضافيين، أي نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم، حينها سيتم إنهاء الحرب على قطاع غزة.

وبعد ذلك -يضيف ياغي- ستتم مناقشة اليوم التالي في غزة وشكل الجهة التي ستدير القطاع، مما سيؤدي إلى تفكيك حكومة نتنياهو، رغم حصولها على أمان من المعارضة لتمرير الصفقة الشاملة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version