في كل مرة تشهد فيها غزة خرقًا لاتفاق وقف إطلاق النار، وتتجدد الغارات الإسرائيلية، يبرز سؤال حول الدور الحقيقي لمركز التنسيق المدني والعسكري الأمريكي. فهل هو مراقب محايد، أم أصبح شريكًا في تحديد أهداف الاحتلال؟ هذا المقال يتناول تفاصيل هذا الدور المتزايد، ويحلل طبيعة التنسيق بين المركز والجيش الإسرائيلي، وتأثير ذلك على الوضع الميداني في قطاع غزة. مركز التنسيق الأمريكي في غزة، الذي أُفتتح في أكتوبر 2023، يُفترض أنه يهدف إلى الإشراف على الالتزام بوقف إطلاق النار ودعم الاستقرار، إلا أن التطورات الأخيرة تشير إلى سيناريو مختلف.
تطور دور مركز التنسيق الأمريكي في غزة
افتتحت الولايات المتحدة مركز التنسيق المدني والعسكري في كريات غات، إسرائيل، على بعد 20 كيلومترًا من قطاع غزة، بهدف الإشراف على تطبيق اتفاقات وقف إطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. لكن التقارير الميدانية وتصريحات القيادات في المقاومة الفلسطينية تشير إلى أن الدور الفعلي للمركز يتجاوز بكثير نطاق الرقابة أو التنسيق الإنساني. الجيش الإسرائيلي يزعم أنه يبلغ المركز بعملياته قبل تنفيذها، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى استقلالية المركز. بدلاً من أن يكون وسيطًا محايدًا، يبدو أن المركز يتحول إلى جزء لا يتجزأ من منظومة العدوان الإسرائيلية.
شهادات من داخل أمن المقاومة
قيادي رفيع المستوى في أمن المقاومة يصف السلوك الميداني والعملياتي للمركز بأنه يدل على مشاركة فعلية في العدوان. ويشير إلى أن هذا التعاون يتمثل في التنسيق المعلوماتي المباشر مع الاحتلال، بالإضافة إلى الصمت المطبق على الجرائم المرتكبة، وهو صمت يعتبر بمثابة شراكة سياسية وعسكرية في إدارة الحرب على غزة. ويؤكد أن المركز لم يلتزم بدوره الإنساني أو الرقابي المحايد، بل أصبح أداة لتبرير وتسهيل الاعتداءات الإسرائيلية.
الاستخبارات الجوية ودعم الأهداف الإسرائيلية
لا يقتصر دور المركز على التنسيق المعلوماتي، بل يتعداه إلى الجهد الاستخباري الجوي. فطائرات الاستطلاع الأمريكية والبريطانية تقوم بعشرات الجولات في سماء قطاع غزة، وتجمع معلومات حساسة تُستخدم في دعم “بنك الأهداف” الإسرائيلي. هذه المعلومات، وفقًا للمصادر، تُسهل على الاحتلال استهداف المدنيين والبنية التحتية بشكل أكثر دقة وفعالية. وجود هذا الزخم العسكري والاستخباري المستمر يُعد انحيازًا واضحًا لطرف الاعتداء، ويتعارض مع الالتزامات الدولية التي يُفترض أن تلتزم بها الدول التي تدعي لعب دور الوسيط.
منشأة عسكرية أم مركز تنسيق إنساني؟
تحول مجمع صناعي مهجور إلى ما يصفه البعض ب “قاعدة دولية تدير غزة عن بُعد” يثير قلقًا بالغًا. فالمركز، الذي يتولى مهامًا معلنة تتعلق بتسهيل دخول المساعدات، يبدو أنه ينفذ مهامًا خفية تتعلق بالرقابة والاستخبارات لدعم الأهداف الإسرائيلية. وقد سمح المركز مؤخرًا لبعض وسائل الإعلام الغربية بالاطلاع على سير عملياته، حيث كشفت التقارير عن وجود 200 عنصر يعملون في المركز، ويراقبون الأوضاع في غزة على مدار الساعة.
رؤية استراتيجية: الوصاية الأمريكية على غزة
رامي الشقرة، رئيس معهد فلسطين للدراسات الإستراتيجية، يرى أن المركز الأمريكي يتجاوز الدور التنسيقي إلى دور “الوصاية العسكرية والأمنية” على الاحتلال الإسرائيلي. ويقول إن القرار الإداري لما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة أصبح “أمريكيًا بامتياز” منذ 7 أكتوبر 2023. ويضيف أن مهام الاستطلاع هي أحد أهم مصادر المعلومات التي يعتمد عليها المركز، وأن التنسيق الأمريكي ليس بريئًا من موجات التصعيد الأخيرة. هذا الرأي يعكس المخاوف المتزايدة من أن الولايات المتحدة تسعى إلى فرض سيطرتها الكاملة على قطاع غزة، وتحديد مستقبل الفلسطينيين فيه.
المناطق المستهدفة والتركيز الميداني
تشير المعلومات الميدانية إلى أن طلعات الاستطلاع الجوية تتركز بشكل خاص في منطقة المواصي جنوب غرب خان يونس، وعلى خطوط سير شاحنات المساعدات، والخط الفاصل بين قوات الاحتلال وسكان القطاع. هذا التركيز يدل على أن المركز ليس فقط يراقب الأوضاع العامة، بل يركز أيضًا على تأمين حركة قوات الاحتلال وتسهيل عملياتها، بالإضافة إلى السيطرة على تدفق المساعدات الإنسانية. الوضع في غزة يتدهور بشكل مستمر، ويستمر المجتمع الدولي في المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار.
المساءلة الدولية ووقف الدعم
في ظل هذه التطورات، يرى القيادي في أمن المقاومة أنه يجب إخضاع دور المركز الأمريكي للمساءلة الدولية، ووقف جميع أشكال الدعم العسكري والاستخباري التي تؤدي إلى توسيع رقعة الجرائم بحق الشعب الفلسطيني. هذا يمثل مطلبًا عادلًا، وخطوة ضرورية باتجاه تحقيق العدالة والسلام في قطاع غزة. يجب أن يمارس المجتمع الدولي ضغوطًا حقيقية على الولايات المتحدة لإجبارها على تغيير سياستها، والالتزام بمبادئ الحياد والإنصاف في تعاملها مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. دور المركز الأمن في غزة يتطلب إعادة تقييم شاملة.
في الختام، يبدو أن دور مركز التنسيق الأمريكي في غزة قد تحول بشكل كبير عما كان مُعلنًا عنه في البداية. فبدلاً من أن يكون مراقبًا محايدًا، أصبح شريكًا فعالًا في العدوان الإسرائيلي، ويسهم في تدهور الأوضاع الإنسانية والأمنية في القطاع. يتطلب ذلك تحركًا دوليًا عاجلًا لإجبار الولايات المتحدة على تغيير سياستها، والالتزام بمبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان، والعمل على تحقيق سلام دائم وعادل في المنطقة. نأمل أن يؤدي هذا المقال إلى زيادة الوعي بهذا الدور المتزايد، وتشجيع المزيد من النقاش والتحليل حول مستقبل غزة.


