غينيا بيساو، المعروفة بتاريخها المضطرب، شهدت انقلاباً عسكرياً جديداً في نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني. هذا التدخل العسكري الذي أطاح بالرئيس عمر سيسوكو إمبالو، يثير تساؤلات حول مستقبل الاستقرار السياسي في البلاد، ويهدد إمكانية انزلاقها نحو أزمة أعمق. يركز هذا المقال على تفاصيل انقلاب غينيا بيساو، الأسباب المعلنة له، والخلفية التاريخية التي ساهمت في تكرار هذه الأحداث.
أسباب الانقلاب المعلنة وتطور الأحداث
أعلن الجيش في غينيا بيساو عن استيلائه على السلطة مدعياً وجود “خطر اندلاع حرب أهلية ذات طابع عرقي” عقب الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي جرت في الثالث والعشرين من نوفمبر. في البداية، برر الجيش تحركه بالإشارة إلى تفشي “شبكات تهريب المخدرات” التي تسعى لزعزعة الاستقرار ونشر الفوضى، وهو ما أثار شكوكاً حول الدوافع الحقيقية وراء هذا التدخل.
لاحقاً، ومع تشكيل “المجلس الوطني الانتقالي الاستشاري”، أكد الجيش أن الوضع السياسي العام في البلاد “خطر” للغاية، مع احتمال تطور الأمور إلى صراع مسلح على نطاق واسع. هذا التصعيد في الخطاب يعكس عمق الأزمة وعدم الثقة في العملية السياسية القائمة.
الانتخابات المتنازع عليها ودور لجنة الانتخابات
تزامن الوضع في غينيا بيساو مع حالة من الجمود والتوتر حول نتائج الانتخابات الأخيرة. فقد تنافس كل من الرئيس المخلوع عمر سيسوكو إمبالو وخصمه فرناندو دياس على الرئاسة، حيث أعلن دياس فوزه من جانب واحد، وهو ما رفضه إمبالو ولجنة الانتخابات.
ولم تكن لجنة الانتخابات قادرة على نشر النتائج الرسمية بسبب اقتحام مجهولين لمقارها وتخريب سجلات الانتخابات. هذا الهجوم أدى إلى شلل في عمل اللجنة وزاد من حالة عدم اليقين السياسي، وربما كان أحد العوامل التي استغلها الجيش لتبرير انقلابه. الخلافات حول نتائج الانتخابات تُعتبر أرضاً خصبة لتدخل العسكريين، خاصة في الدول التي تعاني من ضعف المؤسسات الديمقراطية.
الجنرال هورتا إنتا والإدارة الانتقالية
بعد إطاحة الجيش بالرئيس إمبالو، قام بتعيين الجنرال هورتا إنتا على رأس إدارة انتقالية لمدة عام. اختيار الجنرال إنتا، المقرب من الرئيس السابق، يثير تساؤلات حول مدى التغيير الحقيقي الذي يسعى الجيش لتحقيقه. البعض يرى في هذا التعيين محاولة لإضفاء الشرعية على الانقلاب والحفاظ على نفوذ الرئيس المخلوع.
من المرجح أن تركز الإدارة الانتقالية على إجراء حوار وطني شامل لتحديد التحديات التي تواجه البلاد ووضع خطة للتحول الديمقراطي. ومع ذلك، يبقى السؤال حول ما إذا كانت هذه الجهود ستنجح في تحقيق الاستقرار السياسي والوحدة الوطنية أم لا.
تاريخ غينيا بيساو المضطرب والانقلابات المتكررة
تعتبر غينيا بيساو واحدة من أكثر دول غرب أفريقيا عرضة للتقلبات السياسية والعسكرية. فمنذ استقلالها عن البرتغال عام 1974، شهدت البلاد أربعة انقلابات وعدداً كبيراً من المحاولات الفاشلة للإطاحة بالحكومات.
هذا التاريخ الحافل بالانقلابات يعكس عمق المشاكل التي تعاني منها البلاد، بما في ذلك:
- الضعف المؤسسي: غياب مؤسسات دولة قوية وفعالة وقادرة على فرض سلطتها.
- التدخل العسكري في السياسة: عادة ترسخت في ثقافة غينيا بيساو، حيث يرى الجيش نفسه كوصي على الدولة.
- الصراعات العرقية والسياسية: توترات كامنة بين المجموعات العرقية والسياسية المختلفة، يمكن أن تتصاعد في أي لحظة.
- الفساد المستشري: أحد العوامل الرئيسية التي تقوض الثقة في الحكومة وتزيد من حالة الاستياء الشعبي.
الأزمة السياسية في غينيا بيساو ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة تراكم طويل الأمد لهذه المشاكل. إن تكرار الانقلابات يعكس فشل جميع المحاولات السابقة لإيجاد حلول مستدامة للأزمة.
الآفاق المستقبلية والتحديات التي تواجه غينيا بيساو
مستقبل غينيا بيساو لا يزال غامضاً. على الرغم من وعود الجيش بإجراء إصلاحات ديمقراطية والانتقال إلى حكم مدني، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تقف في طريق تحقيق هذا الهدف.
من أبرز هذه التحديات:
- بناء الثقة بين الأطراف السياسية: يتطلب الأمر حواراً صريحاً وبناءً بين جميع الأطراف المعنية، بهدف التوصل إلى توافق حول مستقبل البلاد.
- تعزيز المؤسسات الديمقراطية: من الضروري بناء مؤسسات دولة قوية وفعالة وقادرة على احترام سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان.
- مكافحة الفساد: يجب اتخاذ إجراءات صارمة لمكافحة الفساد واستعادة الأموال المختلسة.
- معالجة الصراعات العرقية والسياسية: يتطلب الأمر إيجاد حلول عادلة وشاملة للصراعات القائمة، مع ضمان تمثيل جميع المجموعات العرقية والسياسية في السلطة.
وبالنظر إلى هذه التحديات، فإن الوضع الأمني في غينيا بيساو يظل هشاً. إذا لم يتم التعامل مع الأسباب الجذرية للأزمة، فإن البلاد قد تنزلق مرة أخرى إلى دائة العنف وعدم الاستقرار. المجتمع الدولي مدعو إلى لعب دور فعال في دعم جهود السلام والتنمية في غينيا بيساو.
هل تواجه غينيا بيساو فرصة حقيقية للاستقرار؟ شارك برأيك في التعليقات!


