بغداد- ألقى التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران بظلاله على العراق، كاشفا مدى هشاشة الجدار العراقي من النواحي الاقتصادية والدفاعية.

وكانت إسرائيل قد شنّت حربا على إيران في 13 يونيو/حزيران الجاري، استمرت 12 يوما، استهدفت فيها منشآت نووية ومواقع عسكرية ومدنية، واغتالت قادة عسكريين كبارا وعلماء نوويين بارزين، وردّت إيران بسلسلة هجمات صاروخية خلّفت دمارا غير مسبوق في مدن إسرائيلية مختلفة.

هذا الواقع طرح تساؤلات جادة بشأن الدروس التي ينبغي على بغداد استخلاصها والعمل بها مستقبلا لضمان عدم حصول أي تداعيات سلبية إن تكرر التصعيد ذاته، فما حصل يؤكد أن العراق لا يزال ساحة مفتوحة للخروقات الجوية لاعتماده على أنظمة دفاعية قديمة، وخضوعه لضغوط سياسية تؤثر على قراراته السيادية، وبالتالي استباحة أجوائه دون رادع حقيقي.

قاعدة عين الأسد بالعراق تدخل حالة الإنذار تحسبا لهجمات

مواكبة التطور

ويقول مدير الإعلام والتوجيه في وزارة الدفاع العراقية اللواء تحسين الخفاجي إن تطوير منظومات الدفاع الجوي العراقية يمثل أولوية قصوى للوزارة خلال الفترة المقبلة، ويؤكد أنه تم تخصيص الأموال اللازمة لشراء وتسليح منظومات دفاع جوي متطورة تلبي الاحتياجات وتوفر متطلبات حماية الأهداف الحيوية في البلاد.

ويضيف للجزيرة نت أن من بين أولويات الوزارة تزويد قيادة الدفاع الجوي بأنظمة كورية متطورة، ستصل قريبا، تحقق المطلوب، كما أن هناك تعاونا جاريا مع فرنسا، خاصة في مجال الرادارات.

وأشار إلى “عمل كبير” في بناء القوة الجوية والدفاع الجوي بما يضمن توفير الحماية والسيادة الكاملة على الأجواء العراقية، وأكد أن السنوات القادمة ستشهد تطورا ونقلة نوعية كبيرة في تطوير هذا السلاح المهم في بلدنا.

من جهته، يقول الخبير في الشأن الأمني والعسكري حسين الجنابي إن المنظومات الدفاعية الحالية في العراق لا تتناسب مع التهديدات الحديثة، مما يجعله “ساحة مفتوحة غير قادرة على ردع أي خروقات للسيادة من الأنظمة الهجومية المتقدمة”.

وأعلن العراق، في 13 يونيو/حزيران الجاري، تقديمه شكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي ضد إسرائيل، واتهمها بـ”خرق أجوائه واستخدامها في تنفيذ اعتداءات عسكرية بالمنطقة”.

وأدانت وزارة الخارجية العراقية، في بيان لها، هذه الممارسات، مؤكدة أنها “تمثّل انتهاكا صارخا لسيادة العراق وتجاوزا لأحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة”.

وقال الجنابي للجزيرة نت إن “ما حصل في العراق هو تجهيز رادارات كشف مع بطاريات معالجة بأنظمة قديمة لا تتناسب مع الموجود لدى محيط العراق الإقليمي من طائرات متقدمة يصعب معالجتها”.

القرار السياسي

وأوضح الجنابي أن موقع العراق الجغرافي جعله حالة وسطا بين الشرق والغرب، وحتى قياداته ما بعد 2003 أرادت لعب دور الوساطة بين الأطراف المتصارعة، إلا أن ذلك كلَّفه الكثير، فلم يستطع إقناع وكسب ثقة الجانب الروسي والصيني أو الطرف الأميركي وحلفائه، الذي فشل في عقد معاهدة دفاع مشترك مع العراق لتسليحه بما يتناسب مع حماية أجوائه من منظومات الدفاع الجوي.

وبيّن أن هذه المنظومات تتألف من جزأين:

  • منظومة الرادارات لكشف الأهداف المعادية.
  • وبطاريات صواريخ الاستمكان ومعالجة الأهداف المعادية.

وهو ما يفتقر إليه العراق كجزء من منظومة الردع. وبالتالي، ما لم تكن القدرة الدفاعية والهجومية بالجيل نفسه الذي بحوزة “العدو المحتمل”، فلا فائدة من امتلاك منظومات وبطاريات شكلية، على حد قول الجنابي.

وفي سياق متصل -أضاف الخبير العسكري- أن “فلسفة بناء الرؤية الأمنية والاقتصادية تعتمد أساسا على قوة القرار السياسي للدولة التي تسعى وبدون شك لحماية الأمن الاقتصادي والعسكري على حد سواء”.

واستدل قائلا إن المواجهة بين إيران وإسرائيل، لا يُستبعد أن تشتعل نيرانها في الساحة العراقية، فمن الواجب أن يضع رجال الدولة ذلك بعين الاعتبار لبناء السياسة العسكرية والاقتصادية.

وأكد أنه لا يخفى أن أحد أسباب الحرب هو الهيمنة الاقتصادية لمحور الشرق الذي تمثل جزءا منه إيران إقليميا قبل الدول الخليجية، ومن ورائها إسرائيل التي تمثل محور الغرب.

وبالتالي -يواصل الجنابي- نحتاج للتحرك بكل الاتجاهات من عقد شراكات اقتصادية إقليمية ودولية لإبعاد شر الحرب عن العراق، محذرا من أن يصبح العراق جزءا من الصراع بعد أن تصاعدت حدته في المنطقة إلى أعلى مستوى من الشراسة التدميرية بين طرفيه.

الاستقلال والاستقرار

أما الخبير الاقتصادي، أحمد الأنصاري، فأكد ضرورة استفادة العراق من دروس التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل، مشددا على الحاجة الماسة لإجراءات ملموسة لتعزيز الاستقلال الاقتصادي والأمني للعراق في ظل التوترات الإقليمية.

وقال الأنصاري للجزيرة نت “تأثر العراق مباشرة بالأحداث الأخيرة عبر تذبذب أسعار الدولار وقلة الطلب والسحب في السوق، وأدت التطورات الأمنية إلى صعود وهبوط في قيمة الدولار بالسوق الموازي”.

وشدد أن “العراق يحتاج إلى إجراءات ملموسة لعدم الاعتماد على مضيق هرمز بصورة مباشرة”، واقترح لذلك، إعادة تفعيل خط تصدير النفط عبر كركوك-جيهان عن طريق تركيا، وإنهاء المشاكل العالقة مع إقليم كردستان والشركات التركية.

وأشار إلى أهمية تفعيل خط كركوك بانياس الذي توقف في ثمانينيات القرن الماضي، حيث تجري مباحثات مع السوريين لإعادة تشغيله، إضافة إلى مشروع أنبوب البصرة العقبة المتوقف، والذي يتطلب استثمار نحو 8 مليارات دولار لإنشائه، آملا أن تُسرِّع الأحداث الأخيرة من هذه المشاريع.

وحذّر الأنصاري من تهديدات إيران بإغلاق مضيق هرمز، الذي سيعطل تصدير النفط العراقي اليومي (يقدر بنحو 5 ملايين برميل) عبر الخليج العربي، مما سيتسبب بخسارة اقتصادية مباشرة للعراق الذي يعتمد 90% من موازنته على النفط.

وفيما يخص الجانب الأمني، أكد الأنصاري أن “الحالة العسكرية والدفاعات الجوية العراقية سمحت باختراق الأجواء من الطيران الإسرائيلي والصواريخ الإيرانية، مما يعني فقدان السيادة العراقية في هذه الحرب، وهذه دروس يحتاج العراق من خلالها لتقوية ونشر الدفاعات الجوية في المنطقة لمنع تكرار هذه الخروقات”.

وشدد على ضرورة تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، مقترحا تقديم حوافز ضريبية وجمركية وضمانات سيادية للمستثمرين، وإنشاء مناطق حرة واقتصادية بمناطق مختلفة، بما فيها المحاذية للأردن وسوريا وتركيا، وتوسيع المناطق الحرة في البصرة.

وأكد الأنصاري أن حرب إسرائيل إيران الأخيرة كانت بمثابة صدمة للعراق لمراجعة مشاريعه وتطوير بنيته الاقتصادية، وتحسين الأداء الوظيفي لتحقيق التكاملية عبر وضع خطة خمسية وعشرية شاملة للبناء والنهضة الاقتصادية.

إضافة لسد الثغرات خلال فترات الأزمة، وتمويل الموازنة المحلية، وضمان استمرار الرواتب وتشغيل البنى التحتية، وتطوير قطاع الكهرباء والطاقة، والمحافظة على سعر صرف الدينار العراقي، وتوطين الإجراءات المحلية إلكترونيا لتسهيلها.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version