إسلام آباد- مر عام على إسقاط نظام الشيخة حسينة واجد إثر احتجاجات شعبية في أغسطس/آب الماضي بداكا، الذي توارث العداء مع إسلام آباد من مؤسسه الأول شيخ مجيب الرحمن، الذي كان سببا في انفصال باكستان الشرقية (بنغلاديش حاليا) عن باكستان، وارتبط بتحالف وثيق مع الهند.

وتسعى إسلام آباد اليوم إلى استثمار التحولات السياسية في بنغلاديش لتعزيز حضورها الإقليمي، واكتساب ورقة قوة ضد نيودلهي، التي كانت لها علاقات قوية جدا مع داكا خلال العقود الماضية.

وتشهد العلاقات خلال العام الأخير زخما ملحوظا عبر زيارات متكررة واتصالات رفيعة المستوى، في محاولة لإرساء شراكة متوازنة. ولا يقتصر هذا الانفتاح على الملفات الاقتصادية والثقافية فحسب، بل يحمل أيضا بعدا إستراتيجيا قد يشكل أداة ضغط على الهند التي خسرت حليفا مهما في المنطقة.

زيارة تاريخية

وأدى نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الباكستاني محمد إسحاق دار، السبت الماضي، زيارة استمرت يومين إلى بنغلاديش وصفتها الصحافة الباكستانية بـ”التاريخية”، باعتبارها أول زيارة رسمية إلى داكا بهذا المستوى منذ 13 عاما.

والتقى إسحاق دار بكبير المستشارين البنغلاديشيين وناقشا تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، كما تم توقيع 6 اتفاقيات تشمل إلغاء التأشيرات لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والرسمية، وتفاهمات أخرى لتبادل الخبرات والثقافات.

وأجرى المسؤول الباكستاني لقاءات مع قادة الأحزاب السياسية في داكا، على رأسهم رئيسة الحزب الوطني البنغلاديشي خالدة ضياء، وأمير الجماعة الإسلامية شفيق الرحمن.

وكان وزير التجارة الباكستاني جام كمال خان قد زار داكا في 21 أغسطس/آب الجاري والتقى بعدد من مسؤولي البلاد، من ضمنهم مستشار الحكومة البنغلاديشية لشؤون التجارة، شيخ بشير الدين، حيث ناقشا سبل تعزيز التجارة الثنائية.

كما اتفقا على تشكيل اللجنة الاقتصادية المشتركة لوضع إستراتيجية شاملة لتعزيز التجارة والاستثمار والتعاون الاقتصادي، وفقا لبيان وزارة التجارة الباكستانية.

بدوره، زار وزير الداخلية الباكستاني محسن نقوي بنغلاديش في يوليو/تموز الماضي، حيث تم الاتفاق على إعفاء متبادَل لحَمَلة الجوازات الدبلوماسية والرسمية من التأشيرات.

وقبل ذلك في أبريل/نيسان الماضي، قادت وكيلة وزارة الخارجية الباكستانية آمنة بلوش، الجولة السادسة من المشاورات على مستوى وكلاء وزارات الخارجية في داكا بعد توقف دام 15 عاما.

مؤشر إيجابي

تعليقا على زيارة إسحاق دار، قال الدبلوماسي الباكستاني والمفوض السامي السابق في داكا، رفيع الزمان صديقي، إن ما تم التوصل له خلالها من اتفاقيات يحمل مؤشرات إيجابية للغاية.

وأضاف للجزيرة نت أنها “زيارة بالغة الأهمية، وإنجاز عظيم”، وستفتح الباب أمام البلدين لمزيد من التعاون لتعزيز علاقاتهما الثنائية.

ويرى رفيع الزمان أن العلاقات بين البلدين شهدت زيارات عدة “وهي تُعتبر تطورات إيجابية للغاية، وأن على باكستان استغلال نفوذها الدبلوماسي قدر الإمكان وتعزيز علاقاتها مع بنغلاديش”.

من جهته، يقول مدير قسم الدراسات الهندية بمعهد الدراسات الإستراتيجية في إسلام آباد، والخبير في شؤون جنوب آسيا خورام عباس، إنه منذ سقوط حكومة الشيخة حسينة، شهدت العلاقات بين باكستان وبنغلاديش تحسنا ملحوظا، ليس فقط على مستوى الحكومتين، بل أيضا على مستوى مجتمع الأعمال.

وقال في حديث للجزيرة نت، إن المهم ليس التركيز فقط على التعاون الأمني ​​والسياسي، بل أيضا على التواصل بين الشعبين، مما سيُسهم في بناء علاقات أكثر استدامة وتطورا واستقرارا بين البلدين. مضيفا “نحن نبني عهدا جديدا وعلاقات ثنائية جديدة بين إسلام آباد وداكا”.

من جهة أخرى، لطالما كانت الهند عاملا أساسيا في تطور أو تراجع العلاقات بين باكستان وبنغلاديش. ويعتقد خورام عباس أنه من وجهة نظر إسلام آباد فإن العلاقة مع داكا أو أي دولة أخرى في جنوب آسيا لا تُرى فقط من منظور نيودلهي، بل من زوايا أخرى:

  • أولا: جزء من سياسة باكستان تجاه جنوب آسيا، حيث تكمن مصلحة إسلام آباد الحقيقية في إحياء منظمة التعاون الإقليمي للمنطقة، وترى داكا أن ذلك عامل حيوي في مصلحتها الوطنية.
  • ثانيا: تعتقد بنغلاديش، ودول صغيرة أخرى في جنوب آسيا، أنها بحاجة إلى علاقات أكثر توازنا مع القوى الأخرى في المنطقة ومن ضمنها الصين. لذا، فإن معظم هذه الدول اليوم لا تعمل فقط على تحسين علاقاتها مع الهند، بل تسعى أيضا إلى دعم سياساتها تجاه بكين وباكستان.

لماذا اختارت الشيخة حسينة الهند للفرار من بنغلاديش؟ وأين تسعى للحصول على اللجوء؟

عوائق

وحسب الخبير عباس، فإن أهم نقطة من وجهة نظر باكستان هي مواجهة نفوذ نيودلهي في منطقة جنوب آسيا، ويرى أن هذه الزيارات المتكررة وتحسين العلاقات مع بنغلاديش يساعدان إسلام آباد على تحقيق هذه المصالح الإستراتيجية على أعلى مستوى.

ووفقا له، تقول بعض التقارير إن قوات الأمن البنغلاديشية مهتمة ​​للغاية بشراء طائرة “جيه إف- 17 ثاندر” من باكستان، وهو تطور مهم، لأنه يمكن أن يحقق نوعا من التفوق الجوي أو على الأقل تكافؤا في القوة الجوية بين بنغلاديش والهند. وهو ما ترى نيودلهي فيه تطورا قويا يمكن أن يسبب مشاكل كبيرة لجوارها الشرقي أيضا.

وبرأي الدبلوماسي رفيع الزمان صديقي، فإنه لا ينبغي لباكستان ربط علاقاتها مع بنغلاديش بنيودلهي، بل يجب أن تركز على العلاقات الثنائية مع داكا وبذل أقصى جهد لتحسينها. ويؤكد في الوقت نفسه أن الهند ستظل عاملا مهما.

أما خورام عباس فيقول إن ثمة عوائق يمكن أن تؤثر على العلاقات بين باكستان وبنغلاديش:

  • أولا: مطالبة داكا إسلام آباد بالاعتذار عن الجرائم المزعومة ضد البنغلاديشيين عام 1971.
  • ثانيا: توزيع الأصول المجمعة وقت انفصال البلدين.
  • ثالثا: توزيع المساعدات التي كانت تُقدم آنذاك عندما كانا بلدا واحدا قبل الانفصال.

وحسب عباس، فإنه من ناحية إعادة الأصول أو غيرها من المساعدات المالية، لا تملك باكستان موارد مالية كبيرة، لأن اقتصادها هشّ بالفعل ويحاول الاستقرار الآن، ولا تستطيع تحمل دفع مليار أو ملياري دولار لبنغلاديش.

وأضاف أنه ينبغي على إسلام آباد السعي لتحسين العلاقات عبر حل هذه القضايا، لأنه إذا لم تُحل، فستحاول أطراف أخرى في المستقبل استغلالها، وقد يكون ذلك ضارا بالعلاقات بين البلدين.

وحول مستقبل العلاقات بين باكستان وبنغلاديش، يرى رفيع الزمان صديقي، أن الآفاق المستقبلية تبدو إيجابية للغاية، مع توقيع مذكرات تفاهم بين البلدين خلال زيارة إسحاق دار.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version