في خطوة مفاجئة، تبنّت الحكومة السودانية موقفاً جديداً في التعامل مع مقترحات الحل السياسي المقدمة من مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الأفريقية، مسعد بولس، وحدّد رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، “خطوطاً حمراء” واضحة بشأن حل الأزمة في السودان، مغلقاً الباب أمام العديد من جوانب ورقة بولس. هذا التطور يثير تساؤلات حول مستقبل جهود السلام في السودان، ويضع المنطقة أمام سيناريوهات جديدة محتملة.
السودان يرفض مقترحات بولس ويحدد “خطوطاً حمراء”
أعلن رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، رفضه القاطع لمقترحات مسعد بولس، واصفاً إياها بأنها “أسوأ ورقة” قدمت لحل الأزمة السودانية. وشدد البرهان على ضرورة العودة إلى “خارطة الطريق” التي قدمها مجلس السيادة، معتبراً أن ورقة بولس “تلغي وجود القوات المسلحة” وتطالب بحل الأجهزة الأمنية، بينما تسمح للمليشيات المتمردة بالبقاء في مناطق نفوذها. كما انتقد البرهان تهديد بولس للحكومة السودانية باتهامات بإعاقة وصول المساعدات الإنسانية واستخدام أسلحة كيميائية، مؤكداً أن الوساطة بهذا الشكل ستعتبر “غير محايدة”.
تداعيات الرفض على جهود المجموعة الرباعية
يرى مراقبون أن هذا الموقف المتصلب من جانب الحكومة السودانية قد يطيح بجهود المجموعة الرباعية (الولايات المتحدة، السعودية، مصر، والإمارات) في هذه المرحلة. كانت المجموعة الرباعية قد طرحت خطة في 12 سبتمبر/أيلول الماضي، تدعو إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تتبعها عملية انتقالية جامعة وشفافة خلال تسعة أشهر، بهدف تحقيق تطلعات الشعب السوداني نحو حكومة مدنية مستقلة. ومع موافقة قوات الدعم السريع على الهدنة، وتقديم الحكومة السودانية رؤيتها الخاصة للأمم المتحدة في فبراير/شباط الماضي، يبدو أن المسار التفاوضي قد وصل إلى طريق مسدود. الأزمة السودانية تتفاقم، والحلول المطروحة لا تلقى قبولاً من الأطراف المتنازعة.
عودة المبادرة السعودية الأمريكية؟
في ظل تراجع دور المجموعة الرباعية، يرجح البعض عودة المبادرة السعودية الأمريكية إلى الواجهة. يأتي هذا التوقع بعد زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن الأسبوع الماضي، حيث ناقش مع المسؤولين الأمريكيين سبل إنهاء الأزمة السودانية. تعتبر المبادرة السعودية الأمريكية خياراً بديلاً، خاصة وأن الرياض لعبت دوراً محورياً في محاولات الوساطة السابقة. الوساطة السعودية قد تكون مفتاحاً لفتح قنوات جديدة للتفاوض.
ردود الفعل السودانية على موقف البرهان
تباينت ردود الفعل السودانية على خطاب البرهان. خالد عمر يوسف، نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني، اعتبر أن موقف البرهان لم يكن مفاجئاً، مؤكداً أنه يتماشى مع رغبات الحركة الإسلامية على حساب مطالب الشعب السوداني. وأشار إلى أن خطاب البرهان يعكس رفضاً للسلام الحقيقي، مما يطيل أمد المعاناة. في المقابل، رأى الكاتب إبراهيم شقلاوي أن موقف البرهان أعاد ترتيب قواعد اللعبة، وشرعن سرديات الخرطوم التي طالما ترددت دون أن تجد صدى إقليمياً ودولياً.
تحول في طبيعة الصراع
يوضح شقلاوي أن النقاش لم يعد مقتصراً على كيفية إنهاء حرب داخلية، بل انتقل إلى “كيفية وقف تدخلات خارجية توظّف الحرب لتحقيق أطماع ومكاسب اقتصادية”. هذا التحول الجوهري يجعل أي حديث عن تسوية سياسية غير ممكن ما لم تُعالج مستويات الصراع الثلاثة معاً. الصراع في السودان أصبح أكثر تعقيداً، ويتطلب حلاً شاملاً.
رؤية جديدة للحل: تمكين الجيش وحماية الدولة
تشير رؤية السعودية للحل إلى أن المؤسسة العسكرية ليست مطروحة على الطاولة، لسببين رئيسيين: أولاً، تحول الجيش بفعل الحرب إلى الضامن الوحيد لاستمرار الدولة. ثانياً، عدم قدرة الأحزاب السياسية المنقسمة والمنهكة على تشكيل كتلة مدنية موحدة. وبالتالي، فإن التفاوض لا يستهدف إعادة تعريف موقع الجيش، بل تمكينه من أداء دوره في حماية مسار الدولة، مع تحميله مسؤولية رؤية واضحة للسلام.
مرحلة جديدة تتطلب إسناداً سياسياً
يرى الكاتب والأكاديمي إبراهيم الصديق أن خطاب البرهان يمثل خطوطاً كلية لسياسة مرحلة جديدة للتعامل مع الأزمة السودانية. ويؤكد على ضرورة تعزيز هذا الخطاب بإسناد سياسي ومشروع وطني يستصحب كل شركاء المعركة والفاعلين والمؤثرين. كما يشدد على أهمية فاعلية العمل الدبلوماسي والإعلامي، وتسريع عودة المهجرين والنازحين.
شخصنة الأزمة والنهج المتكرر
من جهته، انتقد الكاتب والمحلل السياسي عثمان ميرغني الحكومة السودانية لتحويل الأزمات الكبرى إلى معارك شخصية مع رموز دولية، بدلاً من معالجة جذور الأزمة السياسية. ويستشهد بمشهد أحداث دارفور، وثورة ديسمبر، وصولاً إلى “معركة مسعد بولس”، مؤكداً استمرار النهج ذاته في مواجهة الأشخاص بدلاً من البحث عن حلول سياسية مستدامة.
في الختام، يواجه السودان منعطفاً حاسماً في مسار الأزمة. رفض الحكومة السودانية لمقترحات بولس يضع المنطقة أمام تحديات جديدة، ويستدعي جهوداً مكثفة لإيجاد حل سياسي شامل يضمن السلام والاستقرار للشعب السوداني. المستقبل يتطلب حواراً بناءً، وتنازلات من جميع الأطراف، ورؤية واضحة لمستقبل السودان. هل ستنجح المبادرة السعودية الأمريكية في تحقيق ما فشلت فيه المجموعة الرباعية؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.


