نيجيريا تشهد تصعيدًا أمنيًا مقلقًا مع تفاقم عمليات الخطف والهجمات، مما وضعها تحت دائرة الضوء الدولية. فقد أثار اختطاف أكثر من 300 طالب من مدرسة كاثوليكية في شمال غرب البلاد، بالتزامن مع هجوم دموي على كنيسة، مخاوف متزايدة بشأن الوضع الأمني المتدهور. هذه الحوادث أدت إلى زيادة الضغوط على الحكومة النيجيرية، خاصةً بعد تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باتخاذ إجراءات عسكرية، زاعمًا وجود اضطهاد للمسيحيين في البلاد. فيما يلي نظرة مفصلة على هذه الهجمات، الفاعلين المحتملين، وتطورات الوضع الأمني في نيجيريا.

من يقف وراء الهجمات الأخيرة في نيجيريا؟

الهجوم على مدرسة القديسة مريم في ولاية النيجر، إذا تم تأكيده على هذا النطاق، فسيكون أكبر عملية خطف مدرسية في نيجيريا منذ اختطاف فتيات شيبوك عام 2014 على يد جماعة بوكو حرام. حتى الآن، لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن هذا الاختطاف.

ولكن، الهجوم على الكنيسة، الذي وقع يوم الثلاثاء الماضي، يبدو أنه من تنفيذ عصابات مسلحة تسعى للحصول على فدية مالية. و تعمل هذه العصابات، المعروفة محليًا باسم “قطاع الطرق”، بأسلوب متكرر: اقتحام المناطق، إطلاق النار بشكل عشوائي لإحداث الذعر، واختطاف الضحايا قبل التواري إلى الغابات القريبة.

وفي سياق مشابه، اختطفت مجموعات مسلحة 25 طالبة من مدرسة في ولاية كبي، و64 شخصًا، بمن فيهم النساء والأطفال، من ولاية زامفارا. ولاية كوارا شهدت بدورها هجومًا على كنيسة أدى إلى مقتل وإصابة العديد من المصلين واختطاف 38 منهم، حيث طالب الخاطفون بفدية كبيرة وصلت إلى 100 مليون نايرا (حوالي 69 ألف دولار) عن كل مصلٍ.

رد فعل الحكومة النيجيرية وتأثير الاضطرابات الأمنية

هذه التطورات دفعت الرئيس النيجيري بولا تينوبو إلى إلغاء زياراته المقررة إلى جنوب أفريقيا وأنجولا، والتي كان من المقرر أن تشمل قمة مجموعة العشرين وقمة “الاتحاد الأفريقي-الاتحاد الأوروبي”. هذا يدل على خطورة الوضع والأولوية التي توليها الحكومة لمعالجة هذه الأزمة المتصاعدة.

يرى خبراء أمنيون أن هذه الهجمات مدفوعة بشكل أساسي بالرغبة في تحقيق مكاسب مالية، وأن المدارس تمثل أهدافًا سهلة بسبب ضعف الحماية. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الأهالي أكثر استعدادًا لجمع الفدية بغية استعادة أبنائهم المختطفين، مما يشجع هذه العصابات على مواصلة نشاطاتها. ويقول إيكيميسيت إفيونغ، الشريك في شركة استشارات أمنية في لاغوس: “هناك الكثير من المال يمكن جنيُه من هذا النشاط”.

بؤر التوتر: خريطة المناطق المتضررة في نيجيريا

يشهد شمال نيجيريا، الذي يضم أكثر من 20 ولاية من أصل 36، حالة من انعدام الأمن المزمن، مما يؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية للسكان، ويعيق السفر والأنشطة الزراعية. يمكن تقسيم هذه المناطق إلى ثلاث بؤر رئيسية:

  • الشمال الغربي: تهيمن عليه عمليات الخطف مقابل الفدية التي تنفذها العصابات المسلحة دون دوافع دينية أو سياسية واضحة، حيث يختبئون في الغابات الوعرة.
  • الشمال الشرقي: تعاني من التمرد المستمر لجماعة بوكو حرام وتنظيم الدولة – ولاية غرب أفريقيا، مما أدى إلى أزمة إنسانية حادة، حيث نزح أكثر من مليوني شخص، وقُتل عشرات الآلاف خلال الخمسة عشر عامًا الماضية.
  • الوسط النيجيري: يشهد صراعات دموية بسبب التوترات الدينية والعرقية، بالإضافة إلى النزاعات على الأراضي والموارد المائية، خاصةً في المناطق التي يتقاطع فيها الشمال المسلم مع الجنوب المسيحي.

هل تستهدف الهجمات المسيحيين تحديدًا؟

على الرغم من الحديث عن اضطهاد المسيحيين، يؤكد نامدي أوباسي، المستشار في مجموعة الأزمات الدولية، أن هناك العديد من الحوادث التي طالت المسلمين أيضًا، وأنهم عانوا بقدر ما عانى المسيحيون. وتشدد الحكومة النيجيرية على أن المزاعم المتعلقة بالاضطهاد الديني تشوه الواقع الأمني المعقد، وتتجاهل الجهود المبذولة لحماية حرية الدين.

وبالنظر إلى التنوع العرقي والديني في نيجيريا، التي يبلغ عدد سكانها 230 مليونًا ويتألفون من حوالي 200 مجموعة عرقية، فإن التوترات غالبًا ما تكون متأصلة في التاريخ والتركيبة السكانية. ويضيف أوباسي: “بالطبع، يعتقد الكثير من النيجيريين أن الحكومات المتعاقبة كان يمكن أن تؤدي أداء أفضل في مواجهة الجماعات المسلحة وإنهاء الفظائع ومعاقبة الجناة.” لكنه يؤكد أنه “لا يوجد دليل موثوق على أن الحكومة وقواتها الأمنية، التي يقودها مسيحيون ومسلمون، متورطة في العنف ضد أي مجموعة دينية بعينها”.

الاستجابة الدولية وجهود مكافحة الإرهاب في نيجيريا

تصاعدت الضغوط الدولية على نيجيريا، وذكر مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة تدرس اتخاذ إجراءات مثل فرض عقوبات والتعاون مع البنتاغون في مكافحة الإرهاب، بهدف إجبار الحكومة النيجيرية على حماية المجتمعات المسيحية وتعزيز حرية الدين بشكل أفضل.

جهود الحكومة النيجيرية لمواجهة الأزمة

يقود الجيش النيجيري، الذي يعتبر الأكبر في أفريقيا جنوب الصحراء، العمليات العسكرية ضد الجماعات المسلحة. وفي الوقت نفسه، يبذل الزعماء التقليديون في الشمال الغربي جهودًا للتوصل إلى حلول سلمية من خلال التفاوض مع العصابات. إلا أن الجيش يواجه تحديات كبيرة بسبب اتساع نطاق المناطق المتضررة وتهديدات العصابات والمتمردين.

وقد أعلنت القوات الجوية النيجيرية في أغسطس/آب الماضي أنها قتلت حوالي 600 متمرد في ضربات جوية، لكن الهجمات استمرت على الأرض. وتشير بيانات مجموعة مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة لرصد الأزمات إلى وقوع أكثر من 1923 هجومًا ضد المدنيين في نيجيريا هذا العام، مما أسفر عن مقتل أكثر من 3000 شخص. ونتيجة للخوف من المزيد من الهجمات، أصدرت 6 ولايات شمالية على الأقل أوامر بإغلاق المدارس.

هذا الوضع الأمني المتدهور يتطلب استجابة شاملة ومتضافرة من الحكومة النيجيرية والمجتمع الدولي، بما في ذلك تعزيز الجهود العسكرية، ودعم المبادرات المجتمعية، ومعالجة الأسباب الجذرية التي تؤدي إلى العنف وعدم الاستقرار في البلاد، لضمان عدم استمرار الأزمة الأمنية في نيجيريا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version