بيروت – تتصاعد حرارة المشهد اللبناني عقب الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء التي رحبت بخطة الجيش لحصر السلاح بيد الدولة، في خطوة اعتُبرت اختبارا حاسما لمعادلة العلاقة بين الدولة والمقاومة.

وبينما تسوّق الحكومة هذه الخطوة باعتبارها تكريسا لهيبة الدولة واستجابة لمطالب المجتمع الدولي، يصفها حزب الله بأنها “قرارات وُلدت ميتة”، (قرار حصر السلاح في جلسة الشهر الفائت، وقرار التنفيذ في جلسة أمس الأول الجمعة)، نتاج ضغوط وإملاءات خارجية بعيدة عن المصلحة الوطنية.

في هذا المناخ الملبد بالتوترات، حاورت الجزيرة نت نائب رئيس المجلس السياسي لحزب الله محمود قماطي الذي كشف بوضوح موقف الحزب من قرارات الحكومة، والخيارات المطروحة أمامه، وحدود المواجهة مع الدولة، كما قدم رؤيته إزاء الضغوط الغربية والدور الدولي، وموقف الحزب من الحرب المستمرة في قطاع غزة.

وفيما يلي نص الحوار:

  • كيف تقيمون جلسة مجلس الوزراء، يوم الجمعة، حول إقرار خطة الجيش لحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية؟

موقفنا واضح بما يتعلق بالقرارين اللذين اتخذتهما الأكثرية في هذه الحكومة، الفريق المنقاد للإملاءات الأميركية والخارجية هو من اتخذ هذين القرارين، ونحن رفضناهما باعتبار أنهما غير مصدَّقين، ومخالفان للدستور وللقانون الدولي الذي يجيز للشعوب المحتلة أراضيها أن تقاوم.

علما أن القانون الدولي يسمو على القوانين المحلية، فلا قرارات حكومية ولا قوانين صادرة عن مجلس النواب يمكنها أن تلغي هذا الحق الذي يمنحه القانون الدولي للمقاومة لممارسة دورها على أرضها.

وبالتالي، موقفنا واضح برفض القرارين لأنهما غير قانونيين، ولا يمكننا الدخول في تفاصيل تنفيذ قرارين نحن أساسا نرفضهما، فما بُني على باطل فهو باطل، لذلك نحن نتمسك بإلغائهما، وإلا فسيبقيان معلقين في الهواء، غير قابلين للتنفيذ، وقد ولدا ميتين منذ البداية، مهما عُقدت الاجتماعات ووضعت الخطط.

وبغض النظر عن بعض الملاحظات التي أُثيرت، وكان ينبغي التنبه إليها منذ البداية، فإن جوهر المسألة معلق على موافقة إسرائيل وتطبيقها، وسوريا أيضا، والآن يريدون إعادة البحث في الأمن الوطني والسياسي والإستراتيجية الدفاعية للحكومة اللبنانية، وكان يفترض أن يكون ذلك مطروحا منذ زمن، لكنهم لم ينتبهوا إلا اليوم.

  • ما الموقف الرسمي لحزب الله من هذه الخطة؟ وكيف تنوون التعامل مع مراحل تنفيذها؟

الحكومة تستطيع أن تقول ما تشاء، وأن ترفع السقف وتكثف التصعيد لأنها في النهاية حكومة همها الأول إرضاء الأميركي والخارج الإقليمي والدولي، تحت شعار المساعدات كما تدعي، لكن هذه المساعدات ما هي إلا وعود وهمية لن تتحقق.

فلم تأتِ المساعدات عندما أجرينا الاستحقاق الرئاسي رغم وعودهم، ولم تأتِ عندما شكلنا الحكومة رغم وعودهم، ولم تأتِ حتى بعد الإصلاحات التي أُقِرت في مجلس النواب، كل استحقاق أنجزناه قابله وعد كاذب ورياء وخداع، من دون أن يعطونا شيئا، حتى أن رئيس الجمهورية جال الدول العربية والأوروبية، وإلى اليوم لم يتلق لبنان أي مساعدة ممن زعموا أنهم يدعمون العهد الجديد ورئيس الجمهورية.

لذلك، لسنا في وارد القبول بالقرارين ولا السير بهما ولا تنفيذهما، وعلى الحكومة أن تبحث عن المخرج المناسب لتُنقذ نفسها من العار الذي وضعت نفسها فيه.

الأمين العام لحزب الله: لن نسلم سلاح المقاومة والحكومة اللبنانية تتحمل المسؤولية عن أي فتنة داخلية

  • ما البدائل أو الخيارات التي تعتبرونها مقبولة لضمان أمن حزب الله والمجتمع اللبناني في الوقت نفسه؟

نحن لا نبحث عن ضمان أمن الحزب، ولا عن أمن سلاح المقاومة، نحن نبحث عن أمن الوطن، عن أمن لبنان.

البلد مهدد بالاجتياح، والاحتلال الإسرائيلي ما زال على أرضنا، وعدوانه يتكرر يوميا، من خلال الاعتداءات، والقتل، والتدمير، ومن غير الطبيعي أن تكون هناك حكومة في بلد محتل، يتعرض للعدوان كل يوم، ثم تطالب المقاومة بتسليم سلاحها.

هذا أمر غير منطقي بل يعكس حالة انقياد واستسلام وانسحاق أمام الخارج وأمام العدو الإسرائيلي، ونحن لن نستسلم، ولن نقبل مهما كان الثمن.

إسرائيل، وعلى لسان بنيامين نتنياهو، أعلنت مشروع “إسرائيل الكبرى”، وأكدت نيتها اجتياح لبنان بكامله، بل والتوسع نحو دول عربية أخرى، لذلك فإن هذه المقاومة ليست مجرد ضمانة للبنان، بل هي خط الدفاع الأول عن الأمن القومي العربي.

والمؤسف أن كثيرا من العرب لا يدركون أن وجود المقاومة ودفاعها عن لبنان يشكل بالنسبة لهم الدرع الأول لأمنهم القومي، فإذا سقطت المقاومة اليوم يبدأ الخطر الحقيقي على الأمن القومي العربي بأسره.

  • في حال رفضتم أي خطوات لنزع السلاح، ما الخطوات التالية التي سيتخذها الحزب؟ هل يشمل ذلك اللجوء إلى الشارع أو أدوات الضغط السياسي الأخرى؟

كل الاحتمالات واردة، القرارات الحكومية نصت على أن يتحرك الجيش “بحسب الإمكانات والظروف”، ونحن نؤكد أن هذه الظروف غير ملائمة مطلقا لأي عمل عسكري يقوم به الجيش اللبناني، وبالتالي فإن القرار مجمد ومعلق وغير قابل للتنفيذ، وإذا استمرت الأمور بهذا الاتجاه، فليكن فنحن لا نبحث عن افتعال مواجهة بل نريد الحفاظ على أمن البلد واستقراره.

أما إذا جرى التوجه نحو التنفيذ القسري بالقوة، فهذا يعني دخول البلاد في ظروف جديدة ولكل ظرف قراره وتحركاته، لكننا نؤكد، أننا لن ننجر إلى فتنة، ولن نلجأ إلى حرب أهلية، ولن نفتح مواجهة مسلحة داخلية، سنواجه هذين القرارين ونرفضهما، لكننا سنفعل ذلك مع الشعب الذي يتمسك بسلاح المقاومة أكثر من المقاومة نفسها.

الشعب أعلن موقفه، نحن نعيش حالة لهيب في الشارع، ونحن حتى الآن نعمل على ضبطها قدر المستطاع، لكن إذا مضت الحكومة في مسار التنفيذ، فلن يتمكن أحد من ضبط الشارع، وسيواجه الشعب بصدوره العارية، وعندها فلتتحمل الحكومة والجيش تبعات مواجهة الشعب إذا اختاروا هذا الطريق.

  • كيف تردون على الانتقادات الداخلية المتعلقة بسلاح حزب الله، خاصة فيما يتعلق بتحديات الدولة اللبنانية في بسط سلطتها؟

    سلاحنا ليس سلاح حزب داخلي بل سلاح مقاومة حررت لبنان من الاحتلال، القانون الدولي يجيز لنا الدفاع عن وطننا، ولا جيش ولا حكومة ولا مجلس يملك حق نزعه، استهداف سلاح المقاومة وحده مؤامرة لإراحة إسرائيل وخدمة الإرادة الأميركية، ونحن نرفض ذلك رفضا قاطعا مهما كان الثمن.

    كيف توفقون بين دوركم السياسي داخل الحكومة ومسؤوليتكم تجاه سلاح المقاومة؟ وهل هناك خطوط حمر لا يمكن تجاوزها؟

مشاركتنا في الحكومة لها فلسفة وخلفية واضحة، أردنا أن نؤكد أننا لسنا فقط مقاومة بالسلاح، بل مقاومة تشارك وتنجز وتتحمل المسؤولية الوطنية، لذلك شاركنا في الاستحقاق الرئاسي، والاستحقاق الحكومي، واتخذنا قرارات داخل الحكومة، وتعاونا في كل ما طُلب منا، وصولا إلى وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 1701، وكل ما يتعلق بمواجهة العدو الإسرائيلي.

لقد قدمنا كل أشكال التعاون في الداخل اللبناني، ومع المسؤولين اللبنانيين، ومع العرب، ومع السفراء، ومع الأميركيين والفرنسيين والأوروبيين، لكن الحقيقة أن أحدا لم ينفذ معنا أي وعد، وما تلقيناه لم يكن سوى كذب ونفاق وخداع مستمر.

نحن صدقنا، والتزمنا، ووفينا، وما زلنا مستمرين بهذه السياسة الوطنية، أما هم، فعليهم أن يعودوا إلى العقل والحكمة، وألا يجروا لبنان نحو اللا استقرار والفوضى، لأن المضي في هذا السبيل لن يقود إلا إلى انهيار الاستقرار الداخلي.

  • كيف ينظر حزب الله إلى الدور الدولي، خاصة المجتمع الغربي، في الضغط على لبنان لتقييد سلاحه؟

الضغوطات الدولية والإقليمية كلها تصب في خدمة إسرائيل، وليس في مصلحة لبنان، ما يهم الأميركي والأوروبي هو أمن إسرائيل وحدها، أما لبنان وأمنه القومي فلا مكان له في حساباتهم، ونحن نقول بوضوح لن نقبل بهذه الضغوط، ولن نخضع للإملاءات الأميركية مهما فعلت هذه الحكومة أو هذا الفريق المنقاد للخارج، لبنان لن يُلغى، ولن يُدمج، ولن يُسلَّم للعدو.

  • هل يرى الحزب أي فرصة لتسوية شاملة مع الدولة اللبنانية تضمن مصالح جميع الأطراف دون المساس بمشروع المقاومة؟

لا يزال هناك فرصة، فلبنان ما زال يملك إمكانات وظروف قابلة للتغيير والتعديل، اليوم قد يكون بعض المسؤولين مسحوقين أمام الضغوط الأميركية، لكن الغد قد يحمل تطورات مختلفة، نتمنى أن تُتخذ القرارات من منطلق المصلحة الوطنية اللبنانية فقط، دون تدخل الخارج.

لبنان اليوم تحت وصاية أميركية وعربية وأوروبية متعددة والسياسات التي تتبعها الحكومة خاضعة لهذه الوصايات، ولكن إذا عاد المسؤولون إلى صوابهم وظهرت حالة خطر واضحة على لبنان عندها سيعرفون أن هذا الخطر يستدعي التوحّد والوقوف معا لحماية الوطن.

  • كيف ينظر حزب الله إلى الحرب المستمرة في غزة؟ وما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للشعب الفلسطيني في ظل ما يتعرض له من حصار وقتل ودمار؟

قلوبنا وعقولنا مع غزة، وأرواحنا تهتف لشعب غزة ولشعب الضفة الغربية في فلسطين، لقد قدمنا كل ما نستطيع لإسناد غزة، من شهداء ودماء، وما زلنا ملتزمين بقضيتهم.

ما يحصل في غزة يستدعي تحرك الشعوب العربية والإسلامية، نحني احترامنا للشعوب التي تتحرك في أوروبا وأميركا والعالم الغربي، ولكن أين الشعوب العربية والإسلامية؟ أين الأمة العربية؟ أين الأمة الإسلامية؟ على الشعوب أن تضغط على أنظمتها لتتخذ موقفا حاسما، لأن ما يحصل لا يمكن السكوت عنه.

لم يُقطع النفط العربي عن العالم للضغط على إسرائيل، ولم يُقطع الغاز العربي عنها، بينما يستمر تدفق السلاح على العدو الإسرائيلي لقتل أهل غزة وتهديد أهل لبنان، حتى بعض سفارات إسرائيل في العالم العربي لا تزال مفتوحة؛ يجب طرد السفراء وقطع العلاقات الدبلوماسية، وإلا فإن السكوت سيكون تواطؤا واضحا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version