اعتقال سلطان عزيز عزام، المتحدث باسم تنظيم الدولة – خراسان، ليس مجرد حدث أمني عابر، بل يمثل، وفقًا للخبراء، ضربة مباشرة للعقل المدبر لحرب الدعاية التي خاضها التنظيم في أفغانستان والمنطقة على مدار عقد كامل. هذا الاعتقال، الذي جرى في باكستان في 16 مايو/أيار الماضي وأعلنت السلطات الباكستانية عنه مؤخرًا، يأتي في توقيت بالغ الحساسية إقليميًا، ويفتح ملفات شائكة تتعلق بالأمن الإقليمي والعلاقات المتوترة بين كابل وإسلام آباد.
من هو سلطان عزيز عزام؟ مهندس الدعاية لتنظيم الدولة
ولد سلطان عزيز عزام عام 1978 في مديرية بتي كوت بولاية ننغرهار شرقي أفغانستان. هاجر مع عائلته إلى باكستان خلال الاحتلال السوفيتي السابق، وعاش في مخيمات اللاجئين بمدينة بيشاور. لم تتوفر معلومات كثيرة عن عائلته، لكنه ذكر في تسجيلات سابقة أن ابنه البالغ 13 عامًا قُتل في غارة أمريكية بطائرة مسيرة استهدفت منزله شرقي أفغانستان.
بعد سنوات من الغربة، عاد عزام إلى أفغانستان ودرس الصحافة في جامعة ننغرهار، ثم عمل مستشارًا لمجلس الولاية لفترة قصيرة. كما عمل قرابة 10 سنوات في محطات إذاعية محلية، من بينها الإصلاح، هميشبهار، وإذاعة مزل. قبل التحاقه بتنظيم الدولة، كان عزام شاعراً وكاتباً نشطاً على وسائل التواصل الاجتماعي، وتميز بفصاحته وإتقانه اللغتين البشتو والداري، مما جعله شخصية معروفة ومؤثرة في الرأي العام شرق أفغانستان.
في يناير/كانون الثاني 2018، أعلنت القوات الأمريكية مقتل سلطان عزيز عزام في غارة جوية بولاية ننغرهار، لكن تسريبًا صوتيًا لاحقًا كشف أنه لا يزال على قيد الحياة. وبعد ذلك، أدرجته واشنطن عام 2021 على قائمة المطلوبين، في اعتراف ضمني بأهمية دوره الإعلامي. وفي أبريل/نيسان 2023، أدرجته الأمم المتحدة على قائمتها للإرهابيين العالميين.
علاقة عزام الوثيقة بتنظيم الدولة – خراسان
تأسس تنظيم الدولة في شرقي أفغانستان عام 2014، وهي المنطقة نفسها التي نشأ فيها عزام. وانضم إلى التنظيم منذ بداياته الأولى عام 2016، وعمل متحدثًا رسميًا باسمه، ولعب دورًا رئيسيًا في الترويج لأيديولوجية التنظيم وتبرير أعماله العنيفة. يرى الباحث في شؤون الجماعات المسلحة الدكتور أحمد ولي أن “الخلفية الدينية المحافظة لشرق أفغانستان، وانتشار الفكر السلفي منذ الجهاد ضد السوفيات السابق، وفترات اللجوء في باكستان، كلها عوامل أسهمت في تشكل قناعات عزام”.
لكن العامل الحاسم، بحسب الخبراء الأفغان، كان امتلاكه مهارات إعلامية نادرة بالنسبة لتنظيم مسلح. فتنظيم الدولة، كغيره من التنظيمات، يعتمد على الإعلام بوصفه سلاحًا لا يقل أهمية عن العمليات العسكرية. وبعد تعيينه متحدثًا رسميًا، تولى عزام إدارة القسم الإعلامي للتنظيم، من إصدار البيانات والتسجيلات الصوتية، إلى تنسيق الرسائل بين الجناح العسكري والفريق الإعلامي.
رسائل عزام الإعلامية: جوهر الدعاية لتنظيم الدولة
ركزت رسائل سلطان عزيز عزام على عدة نقاط رئيسية:
- تمجيد هجمات التنظيم.
- تبرير العنف دينياً.
- تجنيد عناصر محلية وأجنبية.
- إظهار التنظيم كقوة متماسكة وقادرة.
ويقول خبير في الجماعات المسلحة عبد السلام رضوان إن “عزام لم يكن مجرد قارئ بيانات، بل كان مهندس خطاب، أعاد إنتاج رواية التنظيم بلغة محلية قادرة على التأثير”. وبفضل هذا الدور، بات يُنظر إليه داخل التنظيم بوصفه الرجل الثاني بعد زعيم التنظيم فرع خراسان، سناء الله غفاري.
توقيت الاعتقال وتداعياته الأمنية والسياسية
يأتي اعتقال المتحدث باسم فرع خراسان لتنظيم الدولة في وقت يمر فيه التنظيم بحالة تراجع غير مسبوقة. فمنذ أشهر، لم ينفذ عمليات كبيرة داخل أفغانستان، نتيجة الضربات الأمنية التي شنتها الحكومة الأفغانية الحالية. ويؤكد الصحفي الأفغاني أمان الله عزيز أن “قبل انضمامه لتنظيم الدولة، كان يُنظر إليه كشخصية إعلامية مثقفة وموثوقة، ولم يكن أحد يتوقع تحوله إلى واجهة لتنظيم متطرف”.
ويؤكد الخبير الأمني عبد الكريم جليلي أن سقوط رأس الجهاز الإعلامي في هذا التوقيت يسرّع تفكك التنظيم معنوياً وتنظيميًا. كما يحمل الاعتقال أبعادًا سياسية، مثل:
- تأكيد رواية كابل بأن تنظيم الدولة يتمركز في باكستان.
- رسالة باكستانية للولايات المتحدة قبيل زيارة قائد الجيش الباكستاني عاصم منير لواشنطن.
- محاولة إسلام آباد نفي الاتهامات الإقليمية بدعم أو احتضان التنظيم.
مستقبل تنظيم الدولة – خراسان بعد اعتقال سلطان عزيز عزام
يرى الخبير الأمني عبد الله كريمي أن اعتقال عزام سيُضعف بشكل مباشر قدرات التنظيم على التجنيد والتأثير، إذ يصعب تعويض شخصية تجمع بين المعرفة المحلية والقدرة الإعلامية والرمزية التنظيمية. ويقول إن “القضية لم تعد أمنية فقط، بل سياسية بامتياز، وستُستخدم في صراع الروايات بين كابل وإسلام آباد”.
في المقابل، فتح اعتقال سلطان عزيز عزام فصلاً جديدًا من التوتر بين أفغانستان وباكستان. فوجود قيادي بارز بهذا الحجم داخل الأراضي الباكستانية يتناقض مع الرواية الرسمية لإسلام آباد التي تتهم أفغانستان بإيواء الجماعات المسلحة.
تأكيد أممي ودولي لأهمية الاعتقال
تزامن الإعلان الباكستاني مع ما ورد في تقرير لمجلس الأمن الدولي، نُشر في 8 ديسمبر/كانون الأول من العام الجاري، وأشار إلى أن السلطات الباكستانية نفذت اعتقالات مهمة بحق عناصر من تنظيم الدولة، من بينها اعتقال سلطان عزيز عزام في 16 مايو/أيار الماضي. وأكد التقرير أن قدرات تنظيم الدولة في أفغانستان تراجعت نتيجة عمليات مكافحة الإرهاب التي نفذتها الحكومة الأفغانية.
وبشكل عام، يمثل اعتقال سلطان عزيز عزام نقطة تحول مهمة في مواجهة تنظيم الدولة – خراسان، ويؤكد على أهمية العمل المشترك لمكافحة الإرهاب والتطرف في المنطقة. ومع ذلك، لا يزال التحدي قائمًا، ويتطلب جهودًا متواصلة لتقويض قدرات التنظيم ومنع انتشاره.


