جوبا – تسود حالة من الجدل الأوساط السياسية والإعلامية في جنوب السودان إثر تقارير إعلامية تحدثت عن تفاهم محتمل مع إسرائيل لترحيل فلسطينيين من قطاع غزة إلى جوبا، وبينما سارعت وزارة الخارجية إلى نفي هذه الأنباء جملة وتفصيلا ووصفتها بأنها “عارية تماما من الصحة”، لا تزال التساؤلات تتزايد حول طبيعة الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين.

ويأتي نفي جوبا ردا على ما نشرته وكالة أسوشيتد برس وموقع “واينت” العبري، اللذان أفادا بأن إسرائيل تجري مفاوضات مع 5 دول، من بينها جنوب السودان، لاستقبال نازحين من قطاع غزة في إطار ما تُسميها “الهجرة الطوعية”.

وتعزز هذه التقارير الشكوك القائمة بعد الزيارة الغامضة لوزير خارجية جنوب السودان منداي سيمايا كومبا إلى تل أبيب، والتي تلتها زيارة شارين هاسكل نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي إلى جوبا، وقد أعادت هذه التحركات إلى الأذهان طريقة تعامل الحكومة مع ملف ترحيل مجرمين من الولايات المتحدة قبل أشهر.

جدل واسع

وأثارت هذه التطورات جدلا واسعا في البلاد، خاصة وأنها جاءت عقب زيارة هاسكل غير المعلنة إلى جوبا يوم 13 أغسطس/آب الجاري، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم بين حكومتي البلدين.

ورغم أهمية الزيارة، فإن غياب الإفصاح عن تفاصيل المذكرة الموقعة قد أثار حفيظة مراقبين ونشطاء اعتبروا هذا الغموض محركا أساسيا للتكهنات حول ما إذا كانت تتصل بملف بهذا الحجم من الحساسية.

وفي محاولة لتبديد الشكوك، سارعت المسؤولة الإسرائيلية إلى نفي تلك التقارير بعد موجة غضب عمت وسائل التواصل الاجتماعي في جنوب السودان ضد الخطة المزعومة.

وقالت في تصريحات للصحفيين بجوبا إن هذا الموضوع “لم يكن مطروحا على جدول أعمال زيارتنا، ولم تجرِ أي محادثات حوله بين وزارتنا ومسؤولين في حكومة جنوب السودان”.

ولا يستبعد مراقبون صحة التقارير التي تحدثت عن خطة لترحيل فلسطينيين إلى جوبا، معتبرين أن الحكومة قد تسعى من وراء ذلك للحصول على مساعدات مالية ورفع العقوبات المفروضة عليها، كما يرون أنها تحاول من خلال هذه التفاهمات إدارة أزمتها مع المعارضة، والبحث عن شرعية انتخابية خلال المرحلة المقبلة، في مسعى للخروج من حالة العزلة والجمود والتيه الاقتصادي الذي تعانيه البلاد.

مسار دبلوماسي

وبحسب المحلل السياسي صموئيل بيتر أوياي شير، توجد تقارير إعلامية وإفادات من جو سزلافيك رئيس شركة “سكرايب ستراتيجيس”، المتعاقدة مع حكومة جنوب السودان، تفيد بوجود مسار دبلوماسي يتجاوز الإطار الإنساني لإعادة توطين فلسطينيي غزة في جنوب السودان.

وأضاف للجزيرة نت “لقد بدأ هذا المسار في واشنطن بهدف تحسين علاقة جوبا بالإدارة الأميركية ومعالجة العقوبات، حيث التقى وزير الخارجية منداي سيمايا كومبا باللوبي اليهودي قبل التوجه إلى تل أبيب لمتابعة المباحثات، وبعد أيام، زارت هاسكل جوبا ووقعت مذكرة تفاهم وُصفت بالتاريخية”.

ووفق أوياي شير، فإن تسلسل الأحداث وتطابق شهادات المصادر يثبت أن القضية نوقشت فعليا بين جوبا وتل أبيب، مما يجعل النفي منها غير منطقي في ضوء المعطيات الواضحة. ويرى أن القضية تمثل مقايضة دبلوماسية سياسية تراهن على مكاسب دبلوماسية واقتصادية، لكنها تحمل مخاطر سياسية وأمنية كبيرة، مبينا أنه في ظل تنامي الضغوط الداخلية والخارجية الرافضة تبدو فرص تمريرها محدودة.

من جانبه، يقول السياسي وعضو مجلس الولايات القومي بجوبا الدو اجو دينق إن جنوب السودان لا يمانع في استقبال فلسطينيين أو أطفالهم هربا من الخطر، لكنه يرفض أي تهجير جماعي قسري مخطط له في عواصم أجنبية.

ويؤكد دينق في مقال صحفي أن “أي اتفاق يجب أن يمر بمشاورات شعبية، تشمل البرلمان والمجتمع المدني والكنائس والمساجد وقوات الأمن، فنحن نرفض نفي الفلسطينيين إلى البلاد كجزء من تسوية سياسية”، ويشترط “قبول اللاجئين الطوعيين فقط لأسباب إنسانية، وبأعداد يمكن تحملها، مع ضمان الأمن القومي”.

عضو برلمان جنوب السودان استيفن لوال نقور: لا اتفاقيات سرية مع إسرائيل بشأن تهجير الفلسطينيين

نقاشات خفية

وترى إسرائيل في جنوب السودان شريكا إستراتيجيا لتعزيز نفوذها الإقليمي والدولي، مستغلة موقعه الحيوي وحاجته للدعم. في وقت تنظر فيه جوبا إلى تل أبيب كبوابة آمنة للعبور إلى واشنطن، مما يجعلها أكثر انفتاحا لقبول ربط المساعدات بملف ترحيل الفلسطينيين، خاصة في ظل ضعفها السياسي والدبلوماسي ومحدودية خياراتها في الوقت الحالي.

يقول رئيس تحرير صحيفة “عمق الحدث” شوكير ياد إن النفي المتبادل بين جوبا وتل أبيب لا يلغي مؤشرات وجود نقاشات سياسية غير معلنة حول القضية.

ويضيف للجزيرة نت أن حكومة جوبا اعتادت على إدارة الملفات الحساسة بعيدا عن الرأي العام قبل إعلانها كأمر واقع، وخير مثال على ذلك هو وجود القوات الأوغندية في البلاد، الذي أنكرته الصحافة المحلية قبل أن تعترف الحكومة لاحقا وتقدم بشأنه مبرراتها.

أما الناشط المدني شارلس مدينق فيرى أن الحكومة في جنوب السودان مطالبة بكشف محتوى مذكرة التفاهم الموقعة مع نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي في جوبا، بالإضافة إلى التفاهمات التي تمت خلال زيارة وزير الخارجية إلى إسرائيل، أمام الرأي العام.

كما يؤكد أن البرلمان يجب أن يستدعي الوزير للكشف عن ملابسات الصفقة المشابهة، التي ترتبط بصفقة ترحيل 8 مجرمين من الولايات المتحدة إلى جنوب السودان.

وأوضح للجزيرة نت “كشف تفاصيل المذكرة والتفاهمات الموازية في إسرائيل أمر ضروري لضمان الشفافية والمساءلة، خاصة في ظل موجة غضب كبيرة في الشارع الجنوبي حول تحركات الحكومة الغامضة التي تمس السيادة ومستقبل البلاد”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version