نشر على 13/11/2025 | آخر تحديث: 23:03 (توقيت مكة)
في مقال نشرته مجلة “+972” الإسرائيلية، تناول الكاتب والناشط نيسي بيلي كيف تحولت مبادرة لتخليد الجنود القتلى في الحرب على غزة إلى أداة دعائية تعزز النزعة العسكرية وتبرر استمرار القتال. هذا التحول يثير تساؤلات حول كيفية استخدام السردية الوطنية لتعزيز آلة الحرب في إسرائيل.
السردية الإسرائيلية وآلة الحرب
يستهل الكاتب مقاله بتتبع السردية الإسرائيلية التي تتجسد في 3 أعياد وطنية: ذكرى المحرقة النازية (الهولوكوست)، يوم ذكرى سقوط الجنود في معارك إسرائيل، ويوم الاستقلال. هذه الأعياد تروي قصة تحول اليهود من “ضحايا بلا دولة” إلى “مواطنين مسلحين” يحرسون وجودهم بالقوة. هذه السردية تُغرس مبكرا في مناهج التعليم والثقافة، لتلقن الإسرائيليين منذ صغرهم أن التضحية في سبيل الدولة هي ما يمنح الوجود اليهودي معناه. من خلال هذه السردية، يتم تعزيز فكرة أن التضحية والقتال هما جزء لا يتجزأ من الهوية الإسرائيلية.
استغلال السردية الوطنية
بعد هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعيد تفعيل هذه الرواية فورا. الحرب الإسرائيلية “المتعددة الجبهات” وُصفت في الإعلام والسياسة الإسرائيلية على أنها “مذبحة” جديدة ضد اليهود، على غرار ما تعرضوا له في ألمانيا النازية إبان الحرب العالمية الثانية. استخدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا التشبيه، واصفا ما حدث بأنه “أسوأ اعتداء على اليهود منذ الهولوكوست”. هذا الخطاب وجد تعبيره البصري في الأسابيع الأولى من الحرب، حيث أُغرِق الإسرائيليون بسيل من الرموز والشعارات التي تهدف إلى تعبئتهم للمجهود الحربي.
حملة الملصقات والدعاية
بدأت عائلات وأصدقاء الجنود القتلى بطباعة ملصقات تذكارية تتضمن صورا لجنود مبتسمين بالزي العسكري مع عبارة “لينتقم الله لدمه”. سرعان ما انتشرت هذه الملصقات في كل مكان، لتصبح جزءا من منظومة رمزية تعبئ المجتمع لمواصلة القتال. رغم طابعها الحزين والخاص، فقد رسخت لسردية جماعية تكرّس فكرة “الواجب الوطني” وتُغذي روح الانتقام. هذه الظاهرة تكشف إلى أي مدى حوّلت إسرائيل الحزن ذاته إلى وقود لآلة الحرب المستمرة.
التحول إلى دعاية مؤسسية
مع تزايد أعداد القتلى الإسرائيليين، تبنّت الحكومة هذه الرموز رسميا. أطلقت “الوكالة الحكومية للإعلانات” مطلع العام الجاري حملة “الذكرى الثانية لـ7 أكتوبر” التي اعتبرت التذكر “عملا وطنيا”. أنشأت جدارا افتراضيا للملصقات وأغنية وطنية مؤلفة من عباراتها. هكذا تحولت المبادرة العفوية إلى جزء من الدعاية المؤسسية التي توحّد المجتمع الإسرائيلي حول فكرة النصر الكامل، وتُخضع الحزن الفردي لاحتياجات الحرب.
استنتاج
يكشف هذا التحول عن كيفية استخدام السردية الوطنية لتعزيز آلة الحرب في إسرائيل. من خلال تحويل الحزن الفردي إلى دعاية مؤسسية، تُبرر إسرائيل استمرار القتال وتُعزز النزعة العسكرية. هذه الظاهرة تثير تساؤلات حول مستقبل المجتمع الإسرائيلي وآثار هذه السردية على العلاقات الدولية. في النهاية، يبقى السؤال حول كيفية تحقيق السلام في ظل هذه السردية الوطنية التي تُغذّي الحرب والعنف. من خلال فهم هذه الديناميكيات، يمكننا أن نبدأ في التفكير في حلول تُفضي إلى السلام والمصالحة.



