في خيمة بالية، تتحدى رياح الشتاء القارسة وأمطار غزيرة، تنتظر “أم ألما” مولودها الأول بعد أكثر من عامين من النزوح القسري. هذه ليست مجرد قصة عائلة فلسطينية، بل هي تجسيد لمعاناة آلاف الأمهات اللاتي يرزحن تحت وطأة النزوح الفلسطيني، في ظروف إنسانية مأساوية. هذا المقال يسلط الضوء على واقعهن، والتحديات التي تواجههن، والأمل الذي لا يزال يراودهن رغم كل الصعاب.
معاناة مستمرة في مخيمات النزوح
على الرغم من إعلان وقف إطلاق النار قبل أكثر من 70 يومًا، إلا أن معاناة النازحين الفلسطينيين تتفاقم. كاميرا “الجزيرة مباشر” وثقت قصة أم ألما، التي تعيش مع زوجها وابنتها في خيمة متهالكة، هي كل ما تبقى لهن بعد 17 عملية نزوح قسري. انتقلت العائلة بين عبسان وخان يونس ورفح ومخيماتها، حاملة معها خيمة واحدة رافقتهم في كل محنة.
الخيمة، التي أصبحت مهددة بالسقوط في أي لحظة، هي رمز لعدم الاستقرار والتهديد المستمر الذي يواجهونه. “الخيمة ممزقة، والفئران أحدثت فيها ثقوبا”، يقول علاء أبو مطلق، رب الأسرة، وهو يحاول يائسًا إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الخيمة قبل حلول موجة مطر قوية.
تحديات الولادة في ظل الظروف القاسية
في شهرها التاسع، تجلس أم ألما على أرض غير مستوية، بلا جدار تستند إليه أو فراش يخفف آلام الظهر. القلق يثقل قلبها، فهي تخشى على مولودها القادم في ظل هذه الظروف الصعبة. زوجها، علاء، مصاب حرب، ويعاني من إصابات في الكتف والظهر تمنعه من النوم على الأرض، لكن لا يوجد بديل آخر.
“زوجتي حامل وعلى وشك الولادة، وأنا مصاب حرب، إصابتي في الكتف والظهر تمنعني طبيا من النوم على الأرض، لكن لا خيار آخر”، يضيف علاء بصوت متعب. هذه الظروف القاسية تزيد من المخاوف المتعلقة بصحة الأم والجنين، وتجعل عملية الولادة أكثر خطورة. الرعاية الصحية في مخيمات النزوح محدودة للغاية، مما يزيد من القلق على حياة الأم والمولود.
ذكريات مؤلمة من النزوح المتكرر
يروي علاء كيف اضطر في الماضي إلى فك الخيمة وسحبها من تحت الدبابات بينما القذائف تتساقط من حوله. “لم يكن لدي غيرها، وضعتها على كتفي وهربت”، يقول ذلك، وكأن المشهد لا يزال حاضرا أمام عينيه. هذه الذكريات المؤلمة تطارده، وتذكره بالمعاناة التي عاشها وعائلته.
داخل الخيمة، لا يتجاوز المكان متسع فرشتين. تنام أم ألما ملتصقة بزوجها وابنتها، ولا يوجد أي مكان للمولود القادم. “لم أنم طوال الليل من وجع ظهري”، تقول وهي تحاول حبس دموعها: “الأرضية غير مستوية، وأنا في منتصف الشهر التاسع، أبكي من التعب، ولا أحد ساعدنا حتى الآن”.
أحلام بسيطة في ظل واقع مرير
القلق يزداد مع البرد، ففي إحدى العواصف كادت الخيمة أن تسقط عليهم. أمسكوا بالعمود الأوسط بأيديهم طوال الليل، بينما كان زوجها يقف تحت المطر ليمنع تسرب المياه. “تبللت الأغراض، والبرد شديد، ولا نملك ما يكفي من الأغطية”، تضيف أم ألما.
عندما تسأل عن حلمها، لا تطلب أم ألما سوى القليل: “خيمة أكبر من هذه، نعيش فيها أنا وزوجي وابنتي والمولود، ونشعر بالاستقرار فقط”. حلم بسيط، لكنه يبدو بعيد المنال في واقع قاس. علاء بدوره يتمنى أن يستقبل طفله في خيمة جديدة، لكنه لا يملك حتى ثمن فرشة. “سأضطر إلى خياطة غطاءين معا ليكونا فراشا للمولود”، يقول ذلك، مستسلما لعبارة يكررها كثيرون هنا: “الحمد لله”. الحياة الكريمة هي مطلب أساسي لهذه العائلات، لكنها تبدو بعيدة المنال في ظل الظروف الحالية.
قصة ليست استثناءً: واقع آلاف العائلات
قصة أم ألما وعائلتها ليست استثناء، بل هي صورة مكثفة لواقع آلاف العائلات الفلسطينية النازحة. الأمهات يستقبلن أطفالهن في خيام مهترئة، وسط مخاوف حقيقية من البرد والجوع والمرض. أطفال يولدون ليجدوا أمامهم خيمة وبردا قارسا، في مشهد إنساني يختصر معاناة لا تزال مستمرة، بلا أفق واضح للانفراج.
من الضروري تسليط الضوء على هذه المعاناة، والضغط على الجهات المعنية لتقديم المساعدة الإنسانية اللازمة، وتوفير المساعدات الإنسانية العاجلة لهذه العائلات. إن توفير المأوى والغذاء والرعاية الصحية الأساسية هو حق أساسي لهذه العائلات، ويجب ضمانه.
في الختام، قصة أم ألما هي صرخة ألم وأمل في آن واحد. إنها دعوة إلى الإنسانية للتحرك وتقديم المساعدة، وإعادة الأمل إلى قلوب هؤلاء النازحين. شارك هذه القصة، وساهم في إيصال صوتهم إلى العالم، وادعم الجهود الرامية إلى تخفيف معاناتهم.


