في قلب واحدة من أعنف الحروب المعاصرة، يسطع نور الأمل من خلال مبادرة شعبية غير مسبوقة. آلاف السودانيين يخاطرون بحياتهم يوميًا لتقديم الغذاء والدواء والدعم النفسي لملايين المدنيين المتضررين، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية. هذه المبادرة، المعروفة بـ غرف الاستجابة للطوارئ في السودان، أصبحت شريان الحياة الوحيد للكثيرين في ظل انهيار مؤسسات الدولة وتصاعد الأزمة الإنسانية.

غرف الاستجابة للطوارئ: قصة بطولة في زمن الحرب

منذ اندلاع الصراع المدمر في السودان في 15 أبريل 2023، تحول البلاد إلى مسرح لأحد أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. وبينما تتصارع القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، برزت غرف الاستجابة للطوارئ كشبكة شعبية قادرة على سد الفراغ الذي خلفه غياب الدولة. هذه الغرف ليست مجرد منظمات إغاثية، بل هي تجسيد لإرادة السودانيين في التكاتف لمساعدة بعضهم البعض في أحلك الظروف.

شهادات من قلب المعركة

التقرير المنشور في الغارديان سلط الضوء على قصص مؤثرة لمتطوعين يخاطرون بحياتهم لتقديم المساعدة. أميرة، إحدى المتطوعات، كانت تتسلل عبر مناطق تسيطر عليها قوات الدعم السريع لتقديم الدعم لنساء وأطفال تعرضوا للاغتصاب، معرضة نفسها للاعتقال أو حتى القتل. تقول أميرة للصحيفة البريطانية إنها كانت تخضع للتحقيق المستمر، حتى عند ذهابها إلى السوق، بسبب الشكوك التي تحيط بها.

هذه الشهادات تعكس التحديات الهائلة التي يواجهها المتطوعون، الذين يعملون في بيئة مليئة بالخوف وانعدام الثقة. ومع ذلك، فإنهم يواصلون عملهم الإنساني مدفوعين بإحساس عميق بالمسؤولية تجاه مجتمعاتهم.

شبكة واسعة من العون والتكافل

في جميع أنحاء السودان الشاسع، تشكلت فروع لـ غرف الاستجابة للطوارئ، تضم سودانيين عاديين يقدمون الغذاء والرعاية الطبية المنقذة للحياة لملايين المواطنين. هذه الشبكة نمت لتضم حوالي 26 ألف متطوع يعملون في 96 من أصل 118 منطقة سودانية، ويقدمون المساعدة لأكثر من 29 مليون شخص، أي ما يزيد على نصف سكان البلاد.

تجاوز الانقسامات وبناء الثقة

تتميز هذه الشبكة بقدرتها على تجاوز الانقسامات العرقية والجهوية، واكتساب ثقة المجتمعات المحلية. هذا الأمر جعلها عنصرا حاسما في الحفاظ على الحد الأدنى من التماسك الاجتماعي في بلد مزقته الحرب. العمل التطوعي في السودان أصبح رمزًا للوحدة الوطنية في مواجهة الشدائد.

التحديات والمخاطر التي تواجه المتطوعين

على الرغم من أهمية غرف الاستجابة للطوارئ، فإن المتطوعين يواجهون مخاطر جمة. فقد قُتل ما لا يقل عن 145 متطوعًا، واعتُقل أو اختفى عدد غير معروف بسبب غياب الاتصالات في مناطق واسعة من البلاد. كما يتعرض المتطوعون للتعذيب والضرب والاتهام بالانحياز السياسي.

أزمة تمويل تهدد جهود الإغاثة

بالإضافة إلى المخاطر الأمنية، تعاني غرف الاستجابة للطوارئ من شح حاد في التمويل. فبينما هي الجهة الأكثر فاعلية على الأرض والأقل تكلفة مقارنة بالوكالات الأممية، إلا أنها لم تتلق سوى أقل من 1% من إجمالي أموال المساعدات الدولية المخصصة للسودان. تجميد المساعدات الأمريكية فاقم الأزمة، مما أدى إلى إغلاق مئات المطابخ الجماعية (تكايا) التي كانت تمنع حدوث مجاعة شاملة.

اعتراف دولي محدود وحاجة ماسة للدعم

زيارة ممثلي غرف الاستجابة للطوارئ إلى لندن ولقائهم وزيرة الخارجية البريطانية يمثل اعترافًا سياسيًا مهمًا بشجاعتهم. ومع ذلك، يؤكد المتطوعون أن حاجتهم الحقيقية تكمن في الحماية والتمويل المباشر، لا الإشادات الشفهية. الوضع الإنساني في السودان يتطلب تدخلًا عاجلًا وتقديم الدعم المالي واللوجستي لهذه المبادرة الشعبية.

على الرغم من ترشيحها لجائزة نوبل للسلام هذا العام، لم تحصل غرف الاستجابة للطوارئ عليها، وهو ما أثار دهشة الكثيرين في المجال الإنساني. لكن المتطوعين لم يأبهوا لذلك، حيث قال أحدهم، ويدعى جمال، “نحن نريد فقط أن نساعد”.

جذور المبادرة في لجان المقاومة

تجدر الإشارة إلى أن الفضل في تأسيس تلك الغرف يعود إلى لجان المقاومة التي نشأت خلال الاحتجاجات الشعبية المناهضة لنظام عمر البشير. هذه اللجان لعبت دورًا محوريًا في الإطاحة به في أبريل 2019. ومع استمرار الزخم الشعبي خلال الفترة الانتقالية، ظهرت مبادرات طبية طارئة مؤقتة لعلاج الجرحى، شكلت النواة الأولى لغرف الطوارئ.

في الختام، غرف الاستجابة للطوارئ في السودان هي قصة ملهمة عن التكافل الإنساني والشجاعة في مواجهة الشدائد. هذه المبادرة الشعبية تستحق كل الدعم والتقدير، فهي تمثل الأمل الوحيد للكثيرين في السودان الذي يعاني من حرب مدمرة وأزمة إنسانية حادة. يجب على المجتمع الدولي أن يستجيب لهذه النداءات العاجلة وأن يقدم الدعم اللازم لإنقاذ حياة الملايين.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version