في خضمّ الأحداث الجارية في غزة، كشف تحقيق استقصائي حديث صادر عن موقع “دروب سايت نيوز” الأمريكي عن شبكة لوجستية معقدة تلعب دورًا حاسمًا في إيصال العتاد العسكري الأمريكي إلى إسرائيل. يعتمد هذا التحقيق على معلومات موثقة جمعتها “حركة الشباب الفلسطيني” و”منظمة التقدميين الدوليين” اليسارية، مسلطًا الضوء على دور الشركات الخاصة في دعم المجهود الحربي الإسرائيلي. هذا الكشف يثير تساؤلات حول المسؤولية والتواطؤ في استمرار الصراع، ويفتح الباب أمام نقاش أوسع حول سياسات تسليح الدول.
مستودع جيرزي سيتي: نقطة الانطلاق الرئيسية للأسلحة
يشير التقرير إلى أن منشأة لوجستية واحدة تقع في مدينة جيرزي سيتي بولاية نيوجيرسي، هي نقطة محورية في هذه العملية. هذه المنشأة، والمملوكة لشركات مترابطة، تقوم بشحن أكثر من ألف طن من العتاد العسكري الأمريكي أسبوعيًا إلى إسرائيل خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025. وتشمل هذه الشحنات قطع غيار دبابات “ميركافا”، وأجزاء طائرات إف 16، والذخائر بأنواعها، بالإضافة إلى آليات ومعدات قتالية أخرى.
دور الشركات اللوجستية المتورطة
التحقيق يكشف عن تورط ثلاث شركات تعمل من نيوجيرسي، وهي: IFS (International Forwarding Services) أو “أنترغلوبال فورواردينغ سيرفيسيس”، و “G & B Packing Company”، و “JJ Services”. هذه الشركات، التي يبدو أنها تشترك في ملكية وإدارة واحدة، تعمل بتقاسم أدوار واضح. تتولى IFS الإدارة العامة والعقود مع وزارة الدفاع الإسرائيلية، بينما تتخصص “جي آند بي” في عمليات التعبئة والفحص والتحميل. أما “جي جي سيرفيسيس”، فتقوم بنقل الحاويات والمواد إلى الموانئ بواسطة أسطولها الخاص من الشاحنات.
وتؤكد البيانات التي جمعها الباحثون أن ما يقرب من 91% من الشحنات البحرية المتجهة إلى إسرائيل، والتي لا تمر عبر القواعد العسكرية الأمريكية، تمر عبر هذا المستودع الذي تديره IFS و “جي آند بي”. هذا يبرز بشكل قاطع الأهمية الاستراتيجية لهذه المنشأة في سلسلة التوريد العسكرية.
تفاصيل الشحنات وحجمها: أرقام مقلقة
يصف التقرير المنشأة اللوجستية بأنها تبلغ مساحتها 125 ألف قدم مربعة، وتضم غرفًا خاصة للتعامل مع المواد الخطرة، بما في ذلك المتفجرات. كما توجد كاميرات مراقبة تعمل على مدار الساعة، ورُصدت مركبة عسكرية من طراز “ديفيد” داخل ساحة المستودع، وهي مركبة أمريكية الصنع تستخدمها القوات الإسرائيلية.
وبحسب الوثائق الجمركية، بلغ متوسط الشحن البحري عبر المستودع حوالي 878 طنًا أسبوعيًا بين يناير وأغسطس من عام 2025. بالإضافة إلى ذلك، تم تسجيل شحنات جوية تتراوح بين 263 و 525 طنًا أسبوعيًا، على الرغم من أن سجلات الشحن الجوي غالبًا ما تكون غير مكتملة، مما يشير إلى احتمال وجود معدات حساسة إضافية غير مُعلنة. وتشير التقارير إلى تورط شركات إسرائيلية مثل “رفائيل” و”الصناعات العسكرية الإسرائيلية (IMI)” في هذه الشحنات، حيث وردت تقديرات تفيد بأن شحنة واحدة متجهة لـ IMI احتوت على 340 طنًا من ذخيرة البنادق.
جذور التعاون اللوجيستي والتمويل الأمريكي
يتتبع التقرير جذور هذا التعاون اللوجيستي إلى عام 1947، مشيرًا إلى مكتب “البعثة” التابع لوزارة الدفاع الإسرائيلية في نيويورك، والذي يعتبر المسؤول الأول عن شراء الأسلحة من الشركات الأمريكية، وذلك من خلال برنامج التمويل العسكري الأجنبي. هذا البرنامج يمنح إسرائيل سنويًا ما لا يقل عن 3.3 مليار دولار لشراء الأسلحة، بالإضافة إلى 500 مليون دولار للدفاع الصاروخي.
ويذكر “مركز السياسة الدولية” أن قيمة المعدات العسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة لإسرائيل بين أكتوبر 2023 ومايو 2025 بلغت حوالي 4.2 مليار دولار. هذه الأرقام تؤكد مدى الاعتماد الإسرائيلي على الدعم العسكري الأمريكي، والدور الحاسم الذي تلعبه الشركات اللوجستية في تسهيل هذا الدعم. الأسلحة الأمريكية تمثل شريان الحياة للمجهود الحربي الإسرائيلي.
المسؤولية والتأثير على الوضع في غزة
يثير هذا التحقيق تساؤلات جدية حول المسؤولية الأخلاقية والقانونية للشركات والأفراد المتورطين في هذه العملية. ويؤكد محللون، من بينهم مدير برنامج الأسلحة في مركز السياسة الدولية، أن الولايات المتحدة تتحمل “مسؤولية جنائية” عن تزويد إسرائيل بالأسلحة التي تُستخدم في الانتهاكات.
ويُشدد ديفيد أدلر، من “منظمة التقدميين الدولية”، على أن “سلسلة التواطؤ تمتد مباشرة من أنقاض غزة إلى قلب صناعة اللوجيستيات الأمريكية”. ويضيف أن كشف دور شركات مثل إنتر غلوبال يمكن أن يساعد في قطع هذه السلسلة ومواجهة النظام الذي يحول القتل إلى فرصة تجارية.
وبالنظر إلى الواقع الميداني في غزة، يربط التقرير بشكل مباشر بين تدفق العتاد العسكري الأمريكي واستمرار القصف والدمار. فبالرغم من الإعلان عن “وقف إطلاق النار”، واصلت إسرائيل قصف القطاع، مما أدى إلى مقتل 339 فلسطينيًا وإصابة أكثر من 870 آخرين خلال أيام قليلة. هذا يؤكد على أن استمرار تدفق الأسلحة يغذي دائرة العنف ويزيد من معاناة الشعب الفلسطيني. كما أن التوريد العسكري لإسرائيل يثير جدلاً واسعاً على الصعيد الدولي.
في الختام، يكشف هذا التحقيق الاستقصائي عن شبكة معقدة من الشركات والعلاقات التي تسهل استمرار الحرب في غزة. من خلال فضح دور هذه الشركات، وعلى رأسها IFS و “جي آند بي”، يمكننا البدء في مساءلة الأطراف المسؤولة، والمطالبة بوقف تدفق الأسلحة، والعمل نحو تسوية عادلة وشاملة للصراع. دعوة للتحرك ونشر الوعي بأهمية هذه القضية.


