في خضم تصاعد التوترات في الضفة الغربية، تشهد محافظة طوباس تطورات مقلقة. ففي حين أصبحت الاقتحامات الإسرائيلية جزءًا من الحياة اليومية في معظم المدن الفلسطينية، إلا أن العملية العسكرية التي بدأت فجر اليوم في طوباس تحمل أبعادًا مختلفة وتثير تساؤلات حول طبيعة التحول في أساليب جيش الاحتلال بشمال الضفة. هذه المرة، لا يتعلق الأمر بمداهمة عابرة أو اعتقال محدود، بل بتوغل واسع النطاق أثار حالة من القلق والترقب بين السكان.
## عملية طوباس: اقتحام موسّع أم تدريب عسكري؟
وصف الإعلام العبري هذه العملية بأنها “اقتحام موسّع سيستمر لأيام”، وهو ما يشير إلى تغيير ملحوظ في طريقة عمل الجيش الإسرائيلي في المنطقة. ومنذ ساعات الصباح الأولى، فرضت قوات الاحتلال حصارًا خانقًا على طوباس، بإغلاق المداخل الفرعية والطرق الرابطة بينها وبين بلداتها المجاورة. هذا الحصار يأتي بالتزامن مع الإغلاق شبه الدائم لحاجز الحمرا، الذي يفصل طوباس عن منطقة الأغوار، مما يزيد من صعوبة حياة وتنقلات المواطنين اليومية.
هذا الوضع خلق واقعًا صعبًا للمواطنين، حيث أصبحت الحركة داخل المدينة مشلولة، مع انتشار واسع النطاق للتفتيش عن المنازل واعتقالات عشوائية، بالإضافة إلى التحليق المستمر للطائرات المسيّرة.
## شهادات من الميدان: توتر وخوف يخيمان على طوباس
الصحفي المحلي محمد دراغمة، المقيم في طوباس، وصف الوضع في المدينة لـ “الجزيرة نت” بأنه “شبه خالي من المارة، مع حركة ضعيفة جدًا، وتوتر عام يسود السكان، رغم غياب القوات الإسرائيلية عن الشوارع الداخلية”. هذا الغياب للقوات، مع استمرار الإجراءات الأمنية المشددة، دفعه إلى الاعتقاد بأن الهدف الأساسي هو “خلق جو من الخوف لا أكثر”.
دراغمة يركز على استخدام الطائرات الهجومية “أباتشي” وإطلاق النار الكثيف، دون وجود اشتباكات مسلحة أو محاصرة لأهداف محددة، مشيراً إلى أن هذا يشير بقوة إلى أن ما يجرى ليس عملية عسكرية حقيقية، بل هو أقرب إلى “تدريب عسكري مكثف” تستغله قوات الاحتلال تحت ذريعة “مواجهة الإرهاب” في مناطق آهلة بالسكان المدنيين. الهدف من هذا التدريب، بحسب دراغمة، هو رفع جاهزية القوات الإسرائيلية استعدادًا لتصعيد متوقع في المستقبل القريب.
## اعترافات إسرائيلية وذرائع واهية
جيش الاحتلال أعلن عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية عن “عملية عسكرية واسعة في شمال الضفة، تتركز في محافظة طوباس، ستستمر لعدة أيام”، زاعمًا أنها “عملية استباقية بهدف منع إعادة تموضع المقاومة وتنفيذ عمليات مستقبلية”. ومع ذلك، يؤكد دراغمة أن الوضع الأمني في طوباس لا يبرر عملية بهذا الحجم، ويشير إلى أن “الواقع الميداني يرجح أن ما يجري ليس عملية عسكرية فعلية، بل تدريب موسّع.”
ومن المثير للدهشة، أن منزله الشخصي تعرض لاقتحام من قبل قوات الاحتلال في ساعات الفجر الأولى. يقول دراغمة إن قوة عسكرية دهمت منزله واحتجزته وعائلته لمدة ساعة ونصف، قبل أن يخبرهم الجنود بأنهم “دخلوا بالخطأ”، على الرغم من قيامهم بتفتيش كامل للمنزل. ويضيف: “لو كانت عملية عسكرية جادة، لكنا شهدنا اعتقالات أوسع أو ملاحقات أو محاصرة منازل، لكن ذلك لم يحدث. لا معتقلين ولا أهداف واضحة، وهذا يؤكد أن ما يحدث أقرب إلى تدريب منه إلى عملية أمنية حقيقية.”
## تصعيد أمني وسياسة إسرائيلية واضحة
هذه العملية تأتي في أعقاب سلسلة من الاغتيالات التي نفذتها قوات الاحتلال في الأيام الماضية، حيث أعلنت عن تصفية جميع المتهمين بقتل إسرائيليين، واغتالت ثلاثة مطلوبين في عمليات منفصلة بشمال الضفة الغربية، وهم يونس اشتية، وعبد الرؤوف اشتية، وسلطان عبد الغني. هذه الاغتيالات تمثل تصعيدًا أمنيًا خطيرًا، وتعكس سياسة الاحتلال في استخدام التصفية والاستهداف المباشر للسيطرة على المشهد الأمني في شمال الضفة.
المحلل السياسي ياسر مناع يرى أن ما يجري في طوباس ليس حدثًا منفصلاً، بل هو جزء من “عملية عسكرية ممتدة يشهدها شمال الضفة الغربية منذ أكثر من عام”. ويشير إلى أن هذا النمط المتواصل من العمليات يهدف إلى “إحداث تآكل تدريجي في بنية المجتمع الفلسطيني، عبر الضغط المستمر وخلق حالة إنهاك جماعي تطال المجتمع اقتصاديًا واجتماعيًا ونفسيًا”.
## السيطرة على المستوطنين وتصعيد الاستيطان في طوباس
ويضيف مناع أن الاحتلال يسعى من خلال تكرار هذه العمليات وتوسيع نطاقها إلى “دفع الفلسطينيين للشعور بانعدام الأفق والخوف من المستقبل، وهو ما يشكل جزءًا من أدوات السيطرة عليهم”. كما يرى أن استمرار هذه العمليات يعود جزئيًا إلى “العامل الداخلي في إسرائيل، حيث هناك شعور متزايد لدى المستويات الأمنية الإسرائيلية بأن السيطرة على المستوطنين في الضفة تتراجع، وأن هناك خشية من انفلاتهم واتساع اعتداءاتهم، مما يدفع الجيش إلى إظهار قبضة قوية لإعادة فرض هيبته وضبط المستوطنين.”
ويؤكد مناع أن جيش الاحتلال يسعى إلى تعزيز روايته بأنه “يعمل في منطقة ساخنة”، وأن استمرار العمليات أمر ضروري لتبرير التواجد العسكري الكثيف وتمديده. فمحافظة طوباس، التي تبلغ مساحتها حوالي 400 كيلومتر مربع، منها 70% مصنفة كمناطق “ج” تخضع للسيطرة الإسرائيلية المباشرة، و30% فقط مناطق “أ” و”ب” تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية. و بالإضافة إلى ذلك، أصبحت منطقة الأغوار الشمالية مسرحًا لـ “سياسة الاستيطان الرعوي”، حيث تنتشر في المحافظة أكثر من 27 بؤرة استيطانية رعوية تتحكم بالمراعي والأراضي.
## الحاجة إلى حل سياسي حقيقي
رئيس بلدية طوباس، محمود دراغمة، يؤكد أن الاقتحام الحالي للمدينة والقرى المحيطة يحمل طابعًا واسعًا وغير مألوف، مشيرًا إلى أن مشاهد تحليق طائرات الأباتشي وإطلاق الرصاص، لم تشهدها المدينة منذ اجتياحها عام 2000 خلال الانتفاضة الثانية.
ويشدد دراغمة في ختام حديثه على أن هذا الواقع يتطلب “حلًا سياسيًا حقيقيًا”، وأن السلطة الفلسطينية مطالبة بالتحرك، لأن “بدون حل سياسي لا يمكن مواجهة هذه الممارسات الإسرائيلية أو إجبارها على الالتزام بأي شيء”. ويختتم مؤكدًا أن ما يجري اليوم يمثل تصعيدًا واسعًا يعكس توجهًا إسرائيليًا واضحًا نحو تشديد السيطرة على المحافظة ومحيطها، الأمر الذي يستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا لحماية المدنيين ووقف هذا التصعيد الخطير.
الكلمات المفتاحية: طوباس، اقتحام إسرائيلي، الضفة الغربية، عملية عسكرية، تدريب عسكري، سياسة إسرائيلية، استيطان، الأغوار الشمالية، تصعيد أمني.


