أصبح البلاستيك جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، لدرجة أننا غالبًا ما نتجاهله حتى يتراكم. من الأكياس والعبوات إلى مواد التغليف والرغوة الخفيفة، ينتهي المطاف بالكثير من هذه المواد في مكبات النفايات. ومع ذلك، يركز الباحثون بشكل متزايد على فكرة تدوير البلاستيك كيميائيًا، كبديل واعد لإعادة صهره وتشكيله، والذي غالبًا ما ينتج عنه جودة أقل. فبدلاً من ذلك، يهدف التدوير الكيميائي إلى تفكيك البلاستيك إلى جزيئات أصغر يمكن استخدامها كمواد خام جديدة في الصناعة.

بالطبع، يتم التعامل مع هذه النفايات من خلال طرق مختلفة، وعلى رأسها “إعادة التدوير” التقليدية. لكن التدوير الكيميائي يمثل نقلة نوعية، حيث يسعى إلى معالجة التحديات التي تواجه إعادة التدوير الميكانيكي، مثل تدهور جودة البلاستيك مع كل دورة إعادة تدوير. يهدف هذا النهج إلى تحويل النفايات البلاستيكية إلى مواد أولية قيمة، مما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويساهم في اقتصاد دائري أكثر استدامة.

أصبح البلاستيك جزءا من الحياة اليومية إلى درجة أننا لا نلاحظه إلا عندما يتراكم (شترستوك)

من البوليسترين إلى التولوين

هذا بالضبط ما تحاول تحقيقه دراسة حديثة نشرت في مجلة “نيتشر نانوتكنولوجي”، والتي تناولت طريقة مبتكرة لتحويل نوع شائع من البلاستيك يسمى البوليسترين إلى مادة مهمة جدًا في الصناعة، وهي التولوين. البوليسترين هو البلاستيك المستخدم على نطاق واسع في التعبئة والتغليف، بما في ذلك الرغوة المستخدمة في بعض عبوات الطعام والعزل. تعتبر هذه المادة تحديًا خاصًا بسبب خفتها وسهولة تفتتها، مما يجعل جمعها وإعادة تدوير البلاستيك أمرًا صعبًا.

أما التولوين، فهو مركب هيدروكربوني عطري يستخدم على نطاق واسع كمذيب صناعي ولبنة بناء وسيطة في صناعة المواد الكيميائية الأخرى. لذلك، فإن تحويل نفايات البلاستيك إلى تولوين يعني، من الناحية النظرية، التخلص من النفايات واستعادة قيمة اقتصادية منها في الوقت نفسه. هذا يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة وتقليل الاعتماد على الموارد الطبيعية.

كسر المقايضة

التحدي الكبير في تكسير البلاستيك وتحويله إلى مادة محددة هو أن العلماء يتعاملون مع خليط معقد من الجزيئات والغازات والحرارة. غالبًا ما يؤدي ذلك إلى ما يسميه الكيميائيون “مقايضة” مؤلمة: زيادة المردود (كمية المنتج) قد تقلل من الانتقائية (نقاء أو تركيز المادة الناتجة)، والعكس صحيح. تعتبر هذه المقايضة عائقًا رئيسيًا أمام تطوير عمليات إعادة تدوير كيميائي فعالة.

وفقًا للدراسة الجديدة، تمكن الباحثون من كسر هذه المقايضة في حالة تحويل البوليسترين إلى تولوين من خلال تقسيم العملية إلى خطوتين داخل نظام واحد. في الخطوة الأولى، يتم تسخين البوليسترين تحت ضغط وبوجود الهيدروجين عند 475 درجة مئوية. في هذه المرحلة، لا يتم الحصول على تولوين مباشرة، بل تتكسر السلاسل البلاستيكية إلى مركبات بخارية وسيطة.

بعد ذلك، في الخطوة الثانية، عند 275 درجة مئوية، يحدث التحول الحقيقي. يتم إضافة محفز خاص وهيدروجين لتوجيه التفاعل بشكل انتقائي لإنتاج التولوين. تعتمد هذه العملية على استخدام محفزات عالية الكفاءة لضمان الحصول على المنتج المطلوب بنقاء عالٍ.

يتطلب الأمر تصميمات لأجهزة وعمليات إنتاج قابلة للتوسع (رويترز)

ذرة واحدة منفردة

اللافت في هذه الدراسة هو نوع المحفز المستخدم، وهو “الروثينيوم” على هيئة ذرات منفردة مثبتة على سطح دعامة، بدلاً من استخدام جسيمات معدنية كبيرة. هذا مهم لأن العديد من تفاعلات تحويل البلاستيك تتشتت إلى مسارات كيميائية متعددة. وفقًا للباحثين، فإن التحكم الذري يسمح بتحكم أدق في المنتج النهائي مع الحفاظ على نشاط عالٍ للمحفز. هذا يمثل تقدمًا كبيرًا في مجال التقنيات الكيميائية.

تشير الدراسة إلى أن العلماء تمكنوا من تحقيق انتقائية للتولوين بنسبة 99٪ مع الحفاظ على مردود بنسبة 83٪. هذه أرقام عالية جدًا في سياق تدوير البلاستيك كيميائيًا، حيث أن المشكلة المعتادة هي الحصول على خليط كبير من المنتجات المتعددة التي تتطلب فصلًا مكلفًا. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الدراسة أن تشغيل العملية بشكل مستمر لمدة 100 ساعة لم يؤثر على نسبة المردود والانتقائية.

تحديات مستقبلية

على الرغم من هذه النتائج الواعدة، هناك أسئلة عملية حتمية قبل أن نرى هذه الفكرة في مصانع كبيرة. تعتمد العملية على الهيدروجين، ويمكن أن يكون إنتاجه ضارًا بالبيئة إذا لم يتم بطرق مستدامة. لذلك، يجب التأكد من أن إنتاج الهيدروجين المستخدم في العملية لا يلغي الفوائد البيئية لتدوير البلاستيك. بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم النفايات ليست بوليسترين نقيًا، وقد يتطلب ذلك خطوات إضافية لتنقيته أو قد يؤثر على المردود والانتقائية.

علاوة على ذلك، يتطلب التوسع الصناعي دراسات إضافية لتقييم إمكانات التغذية المستمرة بالبلاستيك الصلب وتأثير ذلك على زمن التشغيل وزيادة الإنتاجية. يتطلب ذلك أيضًا تصميم أجهزة وعمليات إنتاج قابلة للتوسع لتلبية الطلب المتزايد على هذه التقنية. من المتوقع أن تشهد السنوات القادمة مزيدًا من الأبحاث والتطوير في هذا المجال، بهدف تحسين كفاءة العملية وتقليل التكاليف.

في الختام، تمثل هذه الدراسة خطوة واعدة نحو تطوير حلول مستدامة لإدارة النفايات البلاستيكية. من المتوقع أن يتم إجراء المزيد من الدراسات لتقييم الجدوى الاقتصادية والبيئية لهذه التقنية على نطاق واسع. سيكون من المهم مراقبة التقدم المحرز في هذا المجال وتحديد العقبات التي قد تعيق التوسع الصناعي. من المرجح أن يشهد هذا المجال تطورات كبيرة في السنوات القادمة، مما قد يؤدي إلى تغيير جذري في طريقة تعاملنا مع النفايات البلاستيكية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version