اكتشف فريق بحثي من معهد نانجينغ لعلم الجيولوجيا والحفريات في الصين أقدم شبكة معقدة من الأنفاق التي حفرتها حيوانات في قاع البحر حتى الآن، مما يغير فهمنا لتطور الحياة المبكرة. تشير هذه الآثار، التي يعود تاريخها إلى حوالي 550 مليون سنة، إلى أن الحيوانات بدأت في تغيير البيئة البحرية بسلوكيات معقدة قبل وقت طويل مما كان يعتقد سابقًا.

تم العثور على هذه الآثار في موقع “أحيود شيبانتان” بالقرب من مدينة ييتشانغ في مقاطعة هوبي بشرق الصين. ونشرت نتائج الدراسة في مجلة “ساينس أدفانسز” في 29 أكتوبر 2025، مسلطة الضوء على أهمية هذا الاكتشاف في فهم “الانفجار الكامبري” وتطور الحياة في العصور القديمة.

من السجادات الميكروبية إلى الأنفاق

تكمن أهمية هذا الاكتشاف في أنه يسبق مباشرة ما يُعرف بالانفجار الكامبري، وهو حدث كبير شهد تسارعًا ملحوظًا في تنوع الكائنات الحية. وفقًا لليو يارونغ، الباحث الرئيسي في الدراسة، فإن الحيوانات الصغيرة لم تكتفِ بالحركة على سطح الرواسب، بل بدأت في الحفر داخل الطين والرمال البحرية، مما أدى إلى قلبها وإعادة ترتيبها.

هذا السلوك، على الرغم من بساطته الظاهرية، غيّر بشكل جذري قاع البحر من سطح مستو مغطى بالسجادات الميكروبية إلى قاع حديث مليء بالمسارات والأنفاق والطبقات المختلفة من النشاط الحيوي. السجادات الميكروبية هي طبقات رقيقة من الكائنات الدقيقة التي تعيش على سطح الرسوبيات في المياه الضحلة.

آثار “تريبتكنس” وتطور قاع البحر

فحص الباحثون آثار الحركة المحفوظة في صخور شيبانتان، ووجدوا مجموعة من الآثار التي تُنسب إلى مسارات كائنات تُعرف باسم “تريبتكنس”. هذا الأثر الأحفوري يمثل مسارات حفر تركتها حيوانات رخوة الجسم، غالبًا ديدان بحرية، وهي تتحرك داخل رواسب قاع البحر.

كما وصف الفريق نوعًا جديدًا من “تريبتكنس” أطلقوا عليه اسم “تريبتكنس ستريبتوسس”، وسجلوا أنماطًا أخرى ضمن المجموعة نفسها. يُستخدم ظهور هذه المجموعة، المعروفة باسم “تي بيدوم”، عالميًا كعلامة على بداية العصر الكامبري، مما يجعل اكتشاف شيبانتان أكثر أهمية.

تغيير المشهد البيئي وتأثيره على الحياة المبكرة

تشير الدراسة إلى أن الحفر في الأعماق بدأ قبل هذا الحد الفاصل بفترة ملحوظة. لم يقتصر الأمر على “تريبتكنس”، بل عثر الفريق على أنفاق ثلاثية الأبعاد أخرى، بما في ذلك نمط يسمى “لامونت” وآثار تشبه الشرغوف (رأس وذيل).

تركز هذه الأنفاق في طبقات محددة يشير إلى أن الكائنات كانت تبحث عن الغذاء على أعماق مختلفة، وأن قاع البحر بدأ يتدرج إلى طبقات بيئية تمارس فيها الكائنات أدوارًا متعددة. كما وجد الباحثون أن آثار “لامونت” كانت كثيفة لدرجة أنها سببت تقليبًا شديدًا للرواسب، مما أدى إلى تمزيق السجادات الميكروبية التي كانت تغطي السطح.

هذه السجادات كانت ضرورية لكائنات العصور السحيقة التي اعتمدت عليها، ولذلك يرجح الباحثون أن هذا التقليب ساهم في تراجع تلك الكائنات، وربما في أول حدث انقراض لها قبل حوالي 550 مليون سنة. يقول يارونغ إن الدراسة توضح أن هذه السلوكيات المعقدة وما تراكم عنها من آثار بيئية ازدادت مع اقتراب نهاية العصر الإدياكاري.

ومع مرور الوقت، تراجعت السجادات الميكروبية التي كانت تهيمن على السطح، وتزعزعت البيئات التي اعتمدت عليها كائنات عصر ما قبل الكامبري. وفي المقابل، ظهرت فرص جديدة لكائنات أخرى لتتنوع وتنتشر، مما أدى إلى تغيير المشهد البيئي ببطء ولكن بثبات. هذا التغيير لم يحدث بسبب عامل واحد، بل نتيجة تفاعل عوامل حيوية مثل سلوك الحفر والبحث عن الغذاء، وعوامل غير حيوية مثل طبيعة الرواسب والظروف البيئية.

من المتوقع أن يواصل فريق البحث دراسة آثار شيبانتان لتحديد أنواع الكائنات التي حفرت هذه الأنفاق بشكل أكثر دقة. سيساعد ذلك في فهم أفضل لتطور الحياة المبكرة وكيف أثرت سلوكيات الحيوانات على البيئة البحرية في العصور القديمة. ستركز الأبحاث المستقبلية أيضًا على تحديد العلاقة بين هذه التغييرات البيئية والانفجار الكامبري، وهو حدث لا يزال يمثل لغزًا كبيرًا في علم الأحياء القديمة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version