أثار اكتشاف جسم غريب محترق جزئياً في صحراء غرب أستراليا مؤخراً مخاوف متزايدة بشأن النفايات الفضائية المتراكمة حول الأرض. هذه النفايات، والتي تشمل بقايا الصواريخ والأقمار الصناعية الخارجة عن الخدمة، تمثل تهديداً متزايداً للأمن العالمي، حيث يمكن أن تسقط في أي لحظة على سطح الأرض، خاصة في المناطق المأهولة. وقد تم العثور على الجسم في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2025 بالقرب من بلدة نيومان، مما دفع إلى تحقيق لتحديد أصله.

ووفقًا للتقارير الأولية، كان الجسم الأسود الذي يبلغ قطره حوالي 1.5 متر ويزن ما يقرب من 300 كيلوغرام لا يزال دافئاً وينبعث منه دخان، الأمر الذي استبعد فرضية تحطم طائرة. وقد أقصت وكالة الفضاء الأسترالية فرضية كونه نيزكًا، مما وجه الشكوك نحو مصدر فضائي آخر.

النفايات الفضائية تشكل خطراً متزايداً

بعد دراسات وتحاليل متعمقة، توصل خبراء الفضاء إلى أن الجسم المجهول هو على الأرجح جزء من الطابق العلوي لصاروخ جيلونج 3 الصيني. أطلق هذا الصاروخ في سبتمبر/أيلول الماضي لنشر 12 قمراً صناعياً في مدار أرضي منخفض، ثم خرج عن مساره وسقط في الصحراء الأسترالية. وقد قام كل من ماركو لانغبروك وجوناثان ماكدويل، وهما من أبرز متتبعي الحطام الفضائي، بتحليل البيانات وتوصلوا إلى هذه النتيجة.

تزايد عدد الأقمار الصناعية والصواريخ

تأتي هذه الحادثة في وقت يشهد فيه الفضاء المحيط بالأرض تلوثاً متزايداً بسبب تراكم النفايات الفضائية. يوجد حالياً آلاف الأقمار الصناعية النشطة في مدارات منخفضة، بالإضافة إلى أكثر من 40 ألف قطعة من الحطام الفضائي بحجم أكبر من 10 سنتيمترات. وتشير التقديرات إلى وجود حوالي 500 ألف قطعة حطام يتراوح قطرها بين 1 و10 سنتيمترات، وأكثر من 100 مليون قطعة أصغر من ذلك.

سرعة الحطام الفضائي ومخاطر الاصطدام

تدور هذه الأجسام بسرعات هائلة، قد تتجاوز 25 ألف كيلومتر في الساعة، مما يجعلها تشكل خطراً كبيراً على الأقمار الصناعية النشطة والمركبات الفضائية المأهولة. حتى القطع الصغيرة يمكن أن تتسبب في أضرار جسيمة بسبب سرعتها العالية. وتشير الدراسات إلى أن احتمال الوفاة بسبب سقوط حطام فضائي قد يصل إلى 10% خلال العقد القادم.

ويقول هشام بن يحي، نائب رئيس الجمعية التونسية لعلوم الفلك، إن “بقايا الصواريخ القديمة أو الأقمار الصناعية التي انتهت صلاحيتها أصبحت تشكل مشكلة كبيرة في الفضاء. إنها تمثل تلوثاً حقيقياً يتطلب حلولاً عاجلة.”

تحديات قانونية وتقنية

تثير هذه الحوادث تساؤلات حول المسؤولية القانونية عن النفايات الفضائية. وتنص اتفاقية الفضاء الخارجي لعام 1966 على أن الدولة التي أذنت بإطلاق جسم فضائي تظل مسؤولة عن تداعياته. في حالة الصاروخ الصيني، يعني ذلك أن الصين تتحمل المسؤولية عن سقوط الحطام على الأراضي الأسترالية.

ومع ذلك، فإن إزالة النفايات الفضائية من المدار تمثل تحدياً تقنياً كبيراً. تجري حالياً تجارب على تقنيات مختلفة، مثل استخدام الأشرعة لإخراج المركبات الفضائية من المدار، وأشعة الليزر لتفكيك الحطام الصغير. كما تروج وكالة الفضاء الأوروبية لميثاق “صفر حطام” يهدف إلى منع إنتاج المزيد من النفايات في المستقبل.

بالإضافة إلى ذلك، هناك جهود لـ “التخميل”، وهي عملية تفريغ الخزانات والبطاريات في نهاية مهمة القمر الصناعي لمنع الانفجارات في المدار. لكن هذه الجهود لا تزال غير كافية لمواجهة حجم المشكلة المتزايد، خاصة مع التخطيط لإطلاق عشرات الآلاف من الأقمار الصناعية الجديدة في السنوات القادمة.

في يناير/كانون الثاني 2025، سقطت حلقة معدنية كبيرة في كينيا، وشظية بطارية من محطة الفضاء الدولية اخترقت سقف منزل في فلوريدا. لحسن الحظ، لم تسفر هذه الحوادث عن إصابات بشرية، لكنها تؤكد على الحاجة الملحة إلى معالجة مشكلة النفايات الفضائية.

من المتوقع أن تستمر وتيرة سقوط الحطام الفضائي في الزيادة في السنوات القادمة، ما لم يتم اتخاذ إجراءات فعالة للحد من إنتاج النفايات وإزالتها من المدار. وستراقب وكالات الفضاء والخبراء عن كثب تطورات هذه التقنيات، بالإضافة إلى التزام الدول بتطبيق ميثاق “صفر حطام” والالتزام بمسؤولياتها بموجب اتفاقية الفضاء الخارجي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version