بعد أن تراجعت شعبيتها لسنوات، تعود رمية التماس الطويلة بقوة إلى ملاعب الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم، وتثير جدلاً واسعاً بين المحللين والمدربين والجماهير. فمنذ بداية الموسم الحالي، أصبحت هذه الأداة التكتيكية، التي طالما اعتُبرت حلاً “سهلاً” أو “بدائياً”، مصدر تهديد حقيقي لدفاعات الفرق، بل وأصبحت مسؤولة عن تسجيل عدد متزايد من الأهداف. ولا يزال الموسم في مراحله الأولى، ومع ذلك، فإن الأرقام تؤكد هذا التحول الملحوظ.
عودة الظاهرة: أرقام تتحدث عن هيمنة رمية التماس الطويلة
لم يمضِ على الدوري الإنجليزي الممتاز سوى 12 جولة، وشهدنا تسجيل 12 هدفًا من خلال رمية التماس الطويلة، مقارنة بـ 20 هدفًا طوال الموسم الماضي. هذا الارتفاع الصارخ، الذي يمثل 60% من إجمالي الموسم الماضي في غضون شهرين فقط، يثير تساؤلات حول سبب هذا التحول التكتيكي المفاجئ.
تذكر الأذهان كيف كان هذا الأسلوب شائعًا في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بفضل جهود مدربين مثل توني بوليس وروري ديلاب، اللذين استغلا القوة البدنية للاعبين وقدرتهم على تنفيذ رميات طويلة ودقيقة. اليوم، يبدو أن الفرق تعيد اكتشاف فعالية هذه الطريقة، خاصةً مع صعوبة اختراق الدفاعات المنظمة في البريميرليغ.
تشير الإحصائيات إلى أن متوسط عدد الكرات الطويلة المُوجّهة نحو منطقة جزاء الخصم في كل مباراة ازداد بشكل ملحوظ هذا الموسم. كما بلغ متوسط عدد رميات التماس الطويلة في كل مباراة 455 رمية، وهو ما يمثل نسبة 77% من إجمالي الرميات المسجلة في الموسم الماضي بأكمله، والدوري لم يُكمل بعد ربع مسيرته.
نجوم الرميات الطويلة في الموسم الحالي
العديد من اللاعبين برزوا بقدرتهم الفائقة على تنفيذ رمية التماس الطويلة بدقة وقوة هذا الموسم. من أبرزهم:
- مايكل كايود (برينتفورد): يعتبر من أبرز المنفذين وأكثرهم فعالية.
- أنطوان سيمينيو (بورنموث): الصاعد الذي أثبت جدارته في هذا الجانب.
- جيفرسون ليرما (كريستال بالاس): لاعب يعتمد عليه الفريق في إزعاج دفاعات الخصوم.
- جورين تيمبر (أرسنال): يضيف بُعدًا جديدًا للعب الفريق بالكرات الطويلة.
- كيفن دانسو (توتنهام): يمتلك القوة والتقنية اللازمة لتنفيذ رميات مؤثرة.
وقد شهد متوسط طول الرمية قفزة ملحوظة. فبعد أن كان 16.5 مترًا قبل موسمين و16.7 مترًا في الموسم الماضي، قفز إلى 18.6 مترًا هذا الموسم. هذا يعني أن الفرق لم تعود تكتفي بإرسال الكرات إلى منطقة الجزاء، بل تحاول الوصول بها إلى أماكن أكثر خطورة.
لماذا اللجوء إلى رمية التماس الطويلة؟ أزمة إبداع أم سلاح تكتيكي؟
الاعتماد المتزايد على رمية التماس الطويلة يثير تساؤلات حول الحالة الهجومية للفرق في الدوري الإنجليزي الممتاز. يرى البعض أن هذا التحول يعكس أزمة في الإبداع وصعوبة في بناء الهجمات بشكل منظم، خاصةً من الفرق الكبرى التي يفترض أن تكون قادرة على فرض أسلوب لعبها.
موقع سكاي سبورتس الإنجليزي، على سبيل المثال، يشير إلى أن هذا الاتجاه يعكس “تباطؤ وتيرة التنويع في التكتيكات”. ولفت الموقع إلى أن أفضل فرق الموسم قد تفتقر إلى الإلهام في بناء الهجمات، مما يدفعها إلى اللجوء إلى هذا الأسلوب.
لكن البعض الآخر يرى أن رمية التماس الطويلة هي سلاح تكتيكي فعال، يمكن استخدامه لإرباك دفاعات الخصوم وخلق فرص تسجيل، خاصةً إذا تم تنفيذها بدقة وفي اللحظات المناسبة.
برينتفورد.. نموذج الإتقان وأثره على الفرق الأخرى
يعتبر فريق برينتفورد، المعروف بلقب “النحل”، أحد أبرز الفرق التي أتقنت فن رمية التماس الطويلة. يعود الفضل في ذلك إلى اللاعبين المتعددين المدربين على هذا التخصص، وعلى رأسهم مايكل كايود وإيثان بينوك وماتياس جنسن.
وقد تمكن برينتفورد من تسجيل 7 أهداف من خلال رميات طويلة في الموسم الماضي، وتصدر جدول معدل الأهداف المتوقعة من هذه اللعبة لـ 5 مواسم متتالية، ما يدل على الفعالية الكبيرة لهذا الأسلوب في فريقهم.
لاحظ الخبير التكتيكي توماس غرونيمارك، المتخصص في تدريب الرميات، أن العديد من الفرق أصبحت تحاكي أسلوب برينتفورد في الأسابيع الأخيرة، حتى وإن كان ذلك بشكل عشوائي. ويضيف غرونيمارك: “لقد أصبحت موضة. أرسنال ونيوكاسل وليفربول. ومثل غيرها من الفرق، يصرّون على لعب رمية التماس الطويلة دون امتلاك المهارات اللازمة، النتيجة هي أن كرة القدم تصبح مملة للمشاهدين”.
آراء الخبراء: هل هي خطوة إلى الوراء؟
ينتقد نجم كرة القدم الإنجليزية جيمي كاراغر الإفراط في استخدام رمية التماس الطويلة من قبل الفرق الكبرى، معتبراً أنها “خطوة إلى الوراء” في تطور اللعبة. ويقول كاراغر: “أتفهم ذلك بالنسبة للفرق الأدنى في الدوري. لكن مع فرق كهذه، تحتاج ليفربول ومانشستر سيتي وأرسنال إلى استغلال جوانب أخرى من اللعبة”.
على الرغم من هذه الانتقادات، يؤكد غرونيمارك أن رمية التماس الطويلة، عندما تمارس بمنهجية ودقة، يمكن أن تكون سلاحاً دماراً فعالاً. ويشير إلى أهمية تطوير مهارات منفذ الرمية، وامتلاك لاعبين متميزين في الضربات الرأسية، ووضع استراتيجية ذكية، والاستفادة من البيانات.
دور البيانات في تبرير هذا الاتجاه
تلعب البيانات دوراً كبيراً في تبرير اللجوء إلى رمية التماس الطويلة. يقول غاري أونيل، المدرب السابق لبورنموث وولفرهامبتون، إنه تحدث مع العديد من الخبراء الذين أكدوا له أن نسبة الأهداف تكون أعلى بكثير عند لعب رميات التماس الطويلة مقارنةً بالكرات القصيرة.
مستقبل الرميات الطويلة في البريميرليغ
تشير الإحصائيات الحديثة إلى أن متوسط عدد رميات التماس الطويلة في المباراة الواحدة قد ارتفع بشكل ملحوظ في الدوري الإنجليزي هذا الموسم مقارنة بالمواسم السابقة، مما يؤكد استمرار هذا الاتجاه.
ومع استمرار الأندية في الاستثمار في هذا الجانب من اللعبة، يمكن توقع أن نشهد المزيد من الأهداف المثيرة والمباريات المتقلبة في الدوري الإنجليزي الممتاز في المستقبل القريب. لكن يبقى السؤال: هل ستستمر هذه الموضة، أم أن الفرق ستعود إلى البحث عن حلول هجومية أكثر إبداعاً وتنوعاً؟



