عند منتصف الليل، لن تُطفأ أنوار مقاهي العاصمة الرباط كما جرت العادة، إذ ستظل الكراسي ممتلئة، وحركة الزبائن مستمرة حتى الثانية صباحا، بعد دخول قرار تمديد ساعات العمل حيز التنفيذ يوم 17 ديسمبر/كانون الأول، بمناسبة تنظيم المغرب لكأس أفريقيا لكرة القدم. هذا الحدث الرياضي الكبير ليس مجرد احتفال رياضي، بل هو محفز اقتصادي واعد للمغرب، حيث يتوقع خبراء الاقتصاد أن يحقق كأس أفريقيا للمغرب 2025 عائدات كبيرة ويساهم في تعزيز النمو الاقتصادي.
طفرة اقتصادية مع انطلاق كأس أفريقيا
يتوقع أن تتصاعد وتيرة الحركة الاقتصادية مع انطلاق منافسات كأس أفريقيا لكرة القدم غدا الأحد، التي تحتضنها 6 مدن مغربية على مدى 29 يوما. بالنسبة للكثير من المغاربة، لا تعني “ساعتان إضافيتان” هامشا زمنيا أطول للاستهلاك فقط، بل تمثل إعادة ضخ فعلية للسيولة في الدورة الاقتصادية اليومية. مطاعم تعمل لساعات أطول، ونقل حضري أكثر نشاطا، ويد عاملة إضافية، وسوق خدمات يستعد لذروة غير مسبوقة، تتحول معها كرة القدم من شغف جماهيري إلى محرك نمو محسوس في تفاصيل الحياة اليومية.
أثر البطولة على القطاعات المختلفة
لا يقتصر تأثير الكان 2025 على قطاع الخدمات فحسب، بل يمتد ليشمل قطاعات أخرى مثل النقل والإيواء والبناء. البرنامج الوطني للنقل الحضري، الذي خصص له المغرب استثمارات تناهز 11 مليار درهم، يهدف إلى تعبئة أكثر من 3800 حافلة بحلول عام 2029، مما يعزز من جودة خدمات النقل في المدن المستضيفة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاستثمارات في البنية التحتية الرياضية وغير الرياضية، التي بلغت حوالي 150 مليار درهم، تخلق فرص عمل جديدة وتعزز من جاذبية المغرب كوجهة سياحية واستثمارية.
العائدات المالية المتوقعة من تنظيم البطولة
تشكل كأس أمم أفريقيا “توتال إنيرجي” المغرب 2025 محطة فارقة، ليس فقط في تاريخ الموارد المالية للاتحاد الأفريقي لكرة القدم، بل أيضا في حجم العائدات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة التي يُنتظر أن يجنيها المغرب من تنظيم هذا الحدث القاري. بحسب معطيات رسمية صادرة عن الاتحاد الأفريقي لكرة القدم “الكاف”، يُتوقع أن يبلغ إجمالي إيرادات السنة المالية 2025-2026 نحو 3.1 مليارات درهم (312.8 مليون دولار)، أي بزيادة تقارب 88% مقارنة بدورة 2023-2024.
ارتفاع مداخيل حقوق البث والإعلانات
هذه القفزة في الإيرادات تنعكس على الاقتصاد المغربي عبر ارتفاع مداخيل حقوق البث والإعلانات، وتدفق إنفاق الجماهير والبعثات الرسمية، فضلا عن العائدات الضريبية المرتبطة بالنقل والإيواء والخدمات. يؤكد الأمين العام للاتحاد الأفريقي لكرة القدم، فيرون موسينغو أومبا، أن “نسخة المغرب 2025 ستكون الأفضل في تاريخ البطولة، وستحطم الأرقام القياسية رياضيا وماليا”، مشيرا إلى أنه “تم بيع أكثر من مليون تذكرة إلى حدود الساعة”.
المغرب واستعداداته لاستضافة مونديال 2030
لا ينفصل هذا النجاح المتوقع عن حجم الاستثمارات التي ضخها المغرب في البنية التحتية الرياضية وغير الرياضية، والتي جعلت البطولة تُصنف كحدث عالمي. يُتوقع أن يزور المغرب نحو 1.5 مليون مشجع، بينهم نحو 100 ألف من أوروبا وأسواق غربية أخرى. ويضيف الخبير بالمعهد المغربي للذكاء الإستراتيجي، هشام كسراوي، أن معدل إنفاق هؤلاء المشجعين يتجاوز 10 آلاف درهم (ألف دولار) للفرد، مما يعني عائدات إجمالية قد تصل إلى 12 مليار درهم (مليار دولار).
اختبار جاهزية المغرب
ينظر المغرب إلى نسخة 2025 من كأس أفريقيا باعتبارها اختبارا عمليا قبل استضافة كأس العالم 2030. وتُعد الجاهزية المبكرة لملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط وملعب طنجة الكبير رسالة ثقة موجهة إلى الشركاء الدوليين. المغرب لم يتعامل مع هذا الملف كرهان ظرفي، بل كجزء من برامج استثمارية وهيكلية بعيدة الأمد، والكان الحالي يمثل اختيارا واختبارا حقيقيا لقدرة المملكة على التنظيم وفق معايير عالمية.
نموذج تمويل مبتكر
في استعداداته لتنظيم “الكان”، اختار المغرب كسر المنطق التقليدي القائم على الإنفاق العمومي المباشر. فقد كشف الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، عن تعبئة استثمارات تقارب 150 مليار درهم (15 مليار دولار)، تشمل تأهيل الملاعب والبنية التحتية. ويعتمد هذا النموذج على آلية استرداد التكاليف على مدى يقارب 20 عاما (نظام الدفع المؤجل) عبر “صندوق الإيداع والتدبير”، بما يخفف الضغط عن الميزانية العامة ويؤسس لمنطق الاستثمار المنتج.
في الختام، يمثل الاستعداد لتنظيم كأس أفريقيا للمغرب فرصة ذهبية لتعزيز الاقتصاد الوطني، وتحسين البنية التحتية، وترسيخ مكانة المغرب كوجهة رياضية وسياحية عالمية. إنها ليست مجرد بطولة كرة قدم، بل هي استثمار في المستقبل، وبوابة نحو تحقيق رؤية المغرب كقوة إقليمية صاعدة على أعتاب عام 2030. تابعوا آخر التطورات حول البطولة واستعدوا للاستمتاع بأجواء رياضية واقتصادية متميزة في المغرب.


