في مشهد يعكس تصاعد التوترات حول الرقابة الإلكترونية في روسيا، شهدت مدينة تومسك السيبيرية احتجاجًا نادرًا على حظر منصة روبلوكس الأمريكية للألعاب، وهي منصة تحظى بشعبية كبيرة بين الأطفال والمراهقين. هذا الحظر، الذي يأتي في ظل الحرب المستمرة في أوكرانيا، أثار غضبًا واسعًا وأظهر مقاومة متزايدة للقيود المفروضة على الوصول إلى المعلومات والترفيه.
حظر روبلوكس في روسيا: احتجاجات في ظل الرقابة
تجمع العشرات في حديقة فلاديمير فيسوتسكي في تومسك، وهي مدينة تقع على بعد 2900 كيلومتر شرق موسكو، للتعبير عن رفضهم لقرار حظر روبلوكس. رفع المتظاهرون لافتات مكتوبة بخط اليد تحمل شعارات قوية مثل “ارفعوا أيديكم عن روبلوكس” و”روبلوكس ضحية الستار الحديدي الرقمي” و”الحظر والحجب هو كل ما تستطيعون فعله”. يعكس هذا الاحتجاج قلقًا عميقًا بشأن تضييق الخناق على الحريات الرقمية وتأثير ذلك على جيل الشباب.
دوافع الحظر الرسمية
بررت هيئة مراقبة الاتصالات الروسية، المعروفة باسم “روسکومنادزور”، حظر روبلوكس بوجود “محتوى غير لائق” يؤثر سلبًا على النمو الفكري والأخلاقي للأطفال. وادعت الهيئة أن المنصة تحتوي على مواد “إرهابية” ودعاية لـ “مجتمع الميم” (LGBT)، وهي ممارسات محظورة بموجب القانون الروسي. هذه الادعاءات تثير تساؤلات حول المعايير المستخدمة لتقييم المحتوى ومدى توافقها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
سياق أوسع: الرقابة المتزايدة على الإنترنت في روسيا
لم يكن حظر روبلوكس حدثًا منعزلاً، بل هو جزء من اتجاه أوسع نحو تشديد الرقابة على الإنترنت في روسيا منذ بدء العملية العسكرية في أوكرانيا في فبراير 2022. في محاولة للسيطرة على “حرب المعلومات”، حجبت السلطات الروسية أو فرضت قيودًا على الوصول إلى العديد من المنصات الغربية الشهيرة، بما في ذلك فيسبوك، وإنستغرام، وسناب شات، ويوتيوب، وواتساب. تهدف هذه الإجراءات إلى حماية “القيم الروسية التقليدية” من “الثقافة الغربية المنحلة”، كما يزعم المسؤولون.
المنصة الأمريكية ومخاوف عالمية
روبلوكس، التي يقع مقرها الرئيسي في سان ماتيو، كاليفورنيا، ليست المنصة الأولى التي تواجه حظرًا بسبب مخاوف تتعلق بسلامة الأطفال. فقد تم حظرها سابقًا في دول مثل العراق وتركيا بسبب تقارير عن استغلال المتطفلين للأطفال داخل المنصة.
جهود روبلوكس لضمان السلامة
أكدت شركة روبلوكس التزامها بـ “السلامة الاستباقية” واتخاذ تدابير وقائية قوية لمنع المحتوى الضار وحماية المستخدمين. ومع ذلك، يبدو أن هذه الجهود لم تكن كافية لإقناع السلطات الروسية، التي تلقت، وفقًا لتقاريرها، آلاف الشكاوى مباشرة من الأطفال إلى الرئيس بوتين.
مقترح إنشاء نسخة روسية
في أعقاب الاحتجاجات والشكاوى، أبدت غرفة المجتمع المدني الروسية استعدادًا لدراسة إمكانية إنشاء نسخة روسية من روبلوكس. يهدف هذا المقترح إلى توفير بديل محلي يلبي المعايير الروسية للمحتوى ويضمن سلامة الأطفال، مع الحفاظ على إمكانية الوصول إلى بيئة الألعاب الافتراضية.
تصاعد الاحتجاجات وتحدي الرقابة
على الرغم من المخاطر المرتبطة بالتعبير عن المعارضة في روسيا الحالية، يبدو أن هناك زخمًا متزايدًا للاحتجاجات ضد الرقابة الإلكترونية. فقد أعلن منظمو الاحتجاج في تومسك عن تنظيم مظاهرة أخرى في 21 ديسمبر، مما يشير إلى تصميمهم على مواصلة الضغط على السلطات.
اعتقالات وتفتيش
شهد الاحتجاج الأولي بعض التوترات، حيث اعتقلت الشرطة شخصين بتهمة “عرض رموز متطرفة”. كما تم تفتيش هويات بعض المتظاهرين، مما يعكس حساسية السلطات تجاه أي شكل من أشكال المعارضة. هذه الإجراءات القمعية قد تزيد من حدة التوتر وتدفع المزيد من الناس إلى التعبير عن غضبهم.
مستقبل الإنترنت في روسيا
يثير حظر روبلوكس والقيود المتزايدة على الإنترنت في روسيا تساؤلات جدية حول مستقبل الحريات الرقمية في البلاد. هل ستستمر السلطات في تشديد الرقابة وتقييد الوصول إلى المعلومات والترفيه؟ أم أن الاحتجاجات المتزايدة والضغط الدولي سيؤديان إلى تغيير في السياسات؟ الإجابة على هذه الأسئلة ستحدد إلى حد كبير شكل الإنترنت في روسيا في السنوات القادمة. الوضع الحالي يمثل تحديًا كبيرًا للمستخدمين الروس الذين يسعون إلى الحفاظ على حقهم في الوصول إلى المعلومات والتعبير عن آرائهم بحرية.
في الختام، يمثل حظر روبلوكس في روسيا علامة فارقة في تطور الرقابة الإلكترونية في البلاد. الاحتجاجات التي اندلعت في تومسك وغيرها من المدن تعكس قلقًا عميقًا بشأن تضييق الخناق على الحريات الرقمية وتأثير ذلك على جيل الشباب. من المهم متابعة هذا التطور عن كثب وتقييم تأثيره على مستقبل الإنترنت في روسيا. نأمل أن يتمكن المستخدمون الروس من الحفاظ على حقهم في الوصول إلى المعلومات والتعبير عن آرائهم بحرية، وأن يتم إيجاد حلول تضمن سلامة الأطفال دون المساس بالحريات الأساسية.


