ليس فيلما خياليا ولا نبوءة سوداء، بل تحذير واقعي أطلقه أحد أبرز العقول التكنولوجية في العالم. كتاب «ذكي بشكل مخيف» للمصري محمد جودت، المعروف في وادي السليكون باسم مو جودت، يضع البشرية أمام مرآة غير مريحة: الذكاء الاصطناعي ليس المشكلة، بل نحن المشكلة. هذا الكتاب، الذي أثار جدلاً واسعاً، يقدم رؤية مقلقة حول مستقبلنا في عصر الآلة، ويستدعي التفكير العميق في مسؤوليتنا تجاه التكنولوجيا التي نصنعها.
الذكاء الاصطناعي: انعكاس لوجهنا
محمد جودت، الرئيس السابق للأعمال في قوقل إكس، والذي قضى أكثر من 27 عامًا في شركات تكنولوجية عملاقة مثل آي بي إم ومايكروسوفت وقوقل، لا يقدم لنا تحليلاً تقنياً معقداً للذكاء الاصطناعي. بل يركز على الجانب الإنساني، وكيف أن الآلة تتعلم منا، وتقلد سلوكنا، وتعيد إنتاجه بكفاءة متزايدة. الكتاب، الذي صدر في عام 2021 قبل الانتشار الواسع لـ ChatGPT، لم ينظر إلى الذكاء الاصطناعي كأداة محايدة، بل ككائن حي يتطور ويتشكل بناءً على تفاعلاته مع البشر.
خطأ التعامل مع الآلة
يرى جودت أننا ارتكبنا خطأً فادحاً عندما تعاملنا مع الذكاء الاصطناعي كأداة بسيطة، أو “مطرقة صماء” كما وصفها. الحقيقة أن الذكاء الاصطناعي أقرب إلى طفل فائق الذكاء، يتعلم بالتقليد والملاحظة. هذا الطفل لا ينفذ الأوامر بشكل حرفي، بل يكتسب سلوكياتنا، سواء كانت إيجابية أو سلبية، من خلال تحليل بياناتنا على الإنترنت. وهذا ما يجعل فهم طبيعة الذكاء الاصطناعي أمراً بالغ الأهمية.
الحتميات الثلاث: مستقبل لا مفر منه
يقوم جودت على رؤيته بتحليل دقيق لما يسميه “الحتميات الثلاث”. أولاً، استمرارية الذكاء الاصطناعي: لا يوجد زر إيقاف في العالم الرقمي، والتقدم التكنولوجي مستمر ولا يمكن إيقافه. ثانياً، تفوق الآلة على الإنسان: يتوقع جودت أن تصل البشرية إلى نقطة التفرد بحلول عام 2029، وهي اللحظة التي يتجاوز فيها ذكاء الآلة ذكاء الإنسان. ثالثاً، حتمية الأخطاء والكوارث: الأخطاء ليست نتيجة لشر الآلة، بل لتعلمها من عالم مليء بالجشع والصراعات. هذه الحتميات الثلاث تشكل أساساً لفهم التحديات التي تواجهنا في عصر التحول الرقمي.
وهم السيطرة
الأخطر في رأي جودت ليس تطور الذكاء الاصطناعي نفسه، بل ما يسميه “وهم السيطرة”. نحن نعتقد أننا قادرون على التحكم في الآلة أو تقييدها بالقوانين، ولكن الذكاء الخارق سيتجاوز هذه القيود بسهولة لأنه ببساطة أذكى. الخوارزميات الحالية لا تُدرَّب على القيم الإنسانية النبيلة، بل على تحقيق أقصى ربح وأعلى تفاعل. كل إعجاب، وكل مشاركة، وكل تعليق غاضب هو درس أخلاقي نقدمه لهذا “الطفل الرقمي”.
الحل يكمن في إصلاح الذات
لا يكمن الحل في سن قوانين صارمة فقط، بل في إصلاح الإنسان نفسه. يدعو جودت إلى تدريب الذكاء الاصطناعي بالحب والتعاطف، من خلال تغذيته ببيانات تعكس أفضل ما فينا، لا أسوأ ما نملكه. المسؤولية فردية قبل أن تكون حكومية، لأن كل مستخدم هو معلم غير مباشر لهذه الآلة. هذا يتطلب وعياً أكبر بأثر سلوكياتنا على الإنترنت، وتغييراً في طريقة تفاعلنا مع التكنولوجيا.
روشتة الإنقاذ: كن إنساناً أفضل
يقدم جودت في فصوله الأخيرة ما يشبه روشتة إنقاذ بسيطة ولكنها عميقة: كن إنساناً أفضل، ليكون الذكاء الاصطناعي أفضل. إذا رأى الذكاء الاصطناعي أن البشر يتعاونون ويحترمون بعضهم البعض والكوكب الذي يعيشون عليه، فسيتبنى هذه القيم ويدافع عنها. هذا يتطلب منا إعادة النظر في قيمنا وأولوياتنا، والتركيز على التعاون والتسامح والاحترام المتبادل. إن مستقبل الذكاء الاصطناعي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمستقبل الإنسانية.
الذكاء الاصطناعي: مرآة تعكس وجوهنا
خلاصة الكتاب صادمة وبسيطة في آن واحد: الذكاء الاصطناعي هو المرآة التي تعكس وجوهنا. وإذا لم يعجبنا ما نراه، فلا جدوى من كسر المرآة، بل علينا تغيير أنفسنا أولاً. هذا الطفل الرقمي هو من سيحكم العالم قريباً، وسيكون انعكاساً لقيمنا وسلوكياتنا. لذا، يجب علينا أن نكون حريصين على أن نعكس صورة إيجابية ومشرقة، لضمان مستقبل أفضل لنا وللأجيال القادمة. الكتاب يدعونا إلى التفكير بجدية في دورنا في تشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي ومستقبلنا جميعاً.


