كثيرون يربطون “الملح” بالمذاق المالح فقط، وقد تظن أنك تحافظ على صحتك عبر تجنب المخللات أو الأسماك المالحة أو الأجبان مرتفعة الملوحة، وربما تمتنع حتى عن رشة الملح الإضافية لضبط النكهة. ولكن المفاجأة أنك، رغم ذلك، لا تتجنب الصوديوم بالكامل، لأنك تحصل عليه من مصادر أخرى عديدة لا يكون مذاقها مالحا، مما يجعلك لا تدرك أساسا أنها غنية بالملح أو الصوديوم. هذا الأمر يستدعي فهمًا أعمق لمصادر الصوديوم الخفية وكيفية إدارتها للحفاظ على صحة أفضل.

ما يجب معرفته عن الصوديوم

غالبًا ما تُستخدم كلمتا “ملح الطعام” و”الصوديوم” بالتبادل، لكنهما ليسا الشيء نفسه. فملح الطعام أو “كلوريد الصوديوم” مركب بلوري شائع في الطبيعة، يتكون من 40% صوديوم و60% كلوريد، وهو ما نضيفه للطعام لتحسين النكهة أو حفظ الأطعمة. أما الصوديوم فهو معدن، وعنصر كيميائي موجود داخل الملح، ويحتاجه الجسم بكميات ضئيلة جدًا.

الصوديوم عنصر غذائي أساسي، ويحتاجه الجسم بكميات صغيرة للحفاظ على توازن سوائل الجسم والحفاظ على عمل العضلات والأعصاب بسلاسة. ولكن، الإفراط في تناول الصوديوم قد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة.

الصوديوم الخفي في غذائنا اليومي

لا يقتصر الصوديوم على “الملح الأبيض” فحسب، وهنا تكمن المشكلة. يظن كثيرون ممن يسعون لضبط مستويات الصوديوم في أجسامهم أن كل ما عليهم فعله هو تقليل استهلاك ملح الطعام، وهو اعتقاد خاطئ. فالصوديوم كمكوّن غذائي يُستخدم في أغراض متعددة، منها معالجة اللحوم والخبز، وتعزيز النكهة، والعمل كمادة حافظة.

وفق إدارة الغذاء والدواء الأميركية، يستهلك الأميركيون في المتوسط نحو 3400 مليغرام من الصوديوم يوميا، في حين توصي الإرشادات الغذائية البالغين بألا يتجاوز الاستهلاك 2300 مليغرام يوميا، أي ما يعادل ملعقة صغيرة من الملح. أما الأطفال دون 14 عاما، فتكون الكمية الموصى بها أقل.

مصادر الصوديوم غير المتوقعة

أدركت الآن أن الحفاظ على صحتك من فائض الصوديوم لا يتحقق بمجرد تقليل استخدام ملح الطعام، بل يتطلب معرفة المصادر الخفية له. المفارقة أن بعض الأطعمة التي لا يبدو مذاقها مالحًا قد تحتوي على كميات مرتفعة منه، مما يجعل الاعتماد على الطعم وحده طريقة غير دقيقة لتقدير محتوى الصوديوم.

وفق مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بالولايات المتحدة، يحصل الناس على نحو ثلث الصوديوم من الخبز والبيتزا والبيض والمعكرونة، إضافة إلى اللحوم والدواجن والمأكولات البحرية، والخضراوات النشوية وغير النشوية، ورقائق البطاطس والمقرمشات والوجبات الخفيفة المالحة، والحلويات، والتوابل، والمرق، واللحوم المصنعة والباردة. وحتى بعض الأدوية قد تحتوي على الصوديوم، ويرتفع الخطر مع كثرة تناول هذه المنتجات.

مركبات الصوديوم الشائعة

كما تدخل مركبات تحتوي على الصوديوم في مكونات شائعة للعديد من المنتجات، مثل غلوتامات أحادية الصوديوم، وبيكربونات الصوديوم (صودا الخبز) ونتريت الصوديوم، وبنزوات الصوديوم. تُستخدم هذه المركبات كمحسنات نكهة أو مواد حافظة ومضادة للبكتيريا والفطريات. ولذلك، يوجد الصوديوم في الأطعمة المعلبة والمصنعة، والمخبوزات حتى الحلوة منها، والصلصات، والجبن، واللحوم المعالجة، بل حتى في بعض المشروبات الغازية أو الفوارة.

تظهر الأبحاث الأميركية أن نحو 14% من الصوديوم في الغذاء اليومي موجود طبيعيًا في بعض الأطعمة مثل اللحوم والدواجن وبعض الخضراوات، في حين يأتي أكثر من 70% منه من الأطعمة المصنعة والمعلبة.

مضاعفات الإفراط في تناول الصوديوم

يميل الصوديوم إلى جذب الماء والاحتفاظ به داخل الجسم، مما يؤدي عند استهلاكه بكميات كبيرة إلى احتباس السوائل في مجرى الدم، وزيادة حجم الدم، وبالتالي رفع ضغط الدم.

ارتفاع ضغط الدم حالة يُضطر فيها القلب للعمل بجهد أكبر، وقد تتسبب قوة تدفق الدم المرتفعة في إلحاق الضرر بالشرايين وبأعضاء حيوية مثل القلب والكلى والدماغ والعينين. وعندما لا يُضبط ضغط الدم، تزداد مخاطر الإصابة بالنوبات القلبية، وقصور القلب، والسكتة الدماغية، وأمراض الكلى، وصولا إلى فقدان البصر. ومع التقدم في العمر، يصبح الحد من الصوديوم أكثر أهمية، إذ يميل ضغط الدم إلى الارتفاع تدريجيًا.

في دراسة واسعة لجامعة هارفارد نُشرت بمجلة “سيركوليشن”، خلص الباحثون إلى أنه يمكن تجنّب 40 مليون حالة وفاة حول العالم خلال 25 عامًا، إذا خفّض الناس متوسط استهلاكهم من الصوديوم بنسبة 30%.

نصائح للحد من استهلاك الصوديوم

يمكنك الحد من استهلاك الصوديوم بخطوات بسيطة، منها:

  • قراءة ملصقات الطعام بعناية: تحقق من كمية الصوديوم في كل منتج تشتريه، وقارنها بالحد اليومي الموصى به. وانتبه إلى حجم الحصة وعدد الحصص التي تستهلكها، فالمعلومات الغذائية عادة تُحسب وفق حصة واحدة. واختر المنتجات التي تحمل عبارات “خالية من الملح” أو “بدون إضافة ملح” أو “قليلة الصوديوم”.
  • الحدّ من الأطعمة الجاهزة والمصنعة: غالبًا ما تكون غنية بالصوديوم سواء لتحسين النكهة أو لحفظها. والأفضل هو الإكثار من الفواكه والخضراوات الطازجة ضمن نظامك الغذائي.
  • أضف نكهة دون صوديوم: قلّل من الملح المستخدم أثناء الطهي أو على المائدة. وجرّب الأعشاب وخلطات التوابل الخالية من الصوديوم كبديل.
  • اختر البروتينات الطازجة: من الأفضل تناول اللحوم والدواجن والمأكولات البحرية الطازجة بدلًا من المصنعة. وتحقق من الملصقات، فقد تُضاف إليها محاليل ملحية أو منكّهات عن طريق الحقن أو النقع، ويُذكر ذلك عادة على العبوة.
  • فضّل الخضراوات الطازجة: إذا استخدمت الخضراوات المجمدة، فاختر الأنواع غير المملّحة أو الخالية من الصلصات. كما يمكنك شطف الأطعمة المعلبة مثل الفاصوليا والتونة والخضراوات لإزالة جزء من الصوديوم.

باتباع هذه النصائح، يمكنك التحكم في استهلاكك من الصوديوم وحماية صحتك على المدى الطويل. تذكر أن الوعي بمصادر الصوديوم الخفية هو الخطوة الأولى نحو نظام غذائي صحي ومتوازن.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version