Published On 7/12/2025 | آخر تحديث: 8/12/2025 02:21 (توقيت مكة)

العديد من الناس تصل بهم السبل إلى الافتراق، سواء لظروف قاهرة أو لرغبات متقلبة، فمن كان عزيزًا بالأمس قد يصبح ذكرى باهتة. هذا الشعور بالفقد، هذا الألم الناتج عن التعامل مع الذكريات المؤلمة، هو موضوع يلامس قلوب الكثيرين. كيف نتحرر من قيود الماضي، وكيف نتعايش مع بقايا علاقات انتهت؟ وكيف نمنع تلك الذكريات من السيطرة على حاضرنا ومستقبلنا؟ هذا ما سنستكشفه في هذا المقال.

الفراق: رحمة أم قسوة؟

أحيانًا يكون الفراق رحمة من الله، خاصةً عندما تكون الحياة مع الشخص الآخر لا تطاق. وأحيانًا أخرى، يكون الفراق هو نتيجة رغبة أحد الطرفين أو كليهما في المضي قدمًا. المهم ليس لحظة الانفصال نفسها، بل ما يحدث بعدها. القلب يتألم، والعقل يتصارع مع الصور والكلمات التي لا تزال عالقة. لكن يجب أن نتذكر دائمًا أن قدر الله هو الأجمل، ورحمته أوسع، وكرمه أسمى.

نحن بشر، لسنا مجرد آلات، لذلك من الطبيعي أن نشعر بالألم والحزن. لكن هذا الألم لا يجب أن يدوم، ولا يجب أن نسمح له بتعطيل حياتنا. التركيز على أن كل شيء بيد الله، وأن السعادة الحقيقية تكمن في رضاه، هو الخطوة الأولى نحو التعافي.

الشيطان والفتن النفسية: عدو بعد الفراق

كم يؤلم أن يتلاعب الشيطان بعقولنا بعد الفراق، ويوهمنا بأشياء ليست حقيقية! يوهمنا بأن العودة ممكنة، أو بأننا لم نفعل ما يكفي، أو بأننا نستحق المزيد من الألم. يحاول الشيطان أن يفتح دفاتر الجراح القديمة، وأن ينفخ في رماد المشاعر المحروقة.

هنا تظهر أهمية الوعي النفسي ومقاومة هذه الوساوس. الشيطان لا يحتاج إلى الكثير ليجد طريقًا إلى قلوبنا المكسورة. كل ما يريده هو أن يدخلنا في حرب نفسية لا ننتصر فيها. فلماذا نسهل عليه مهمته؟ لماذا نعود إلى كشط جرح قد التئم؟

“لو” كلمة تفتح باب الشر

أحد أكثر الأسلحة فتكًا التي يستخدمها الشيطان هو كلمة “لو”. “لو أني فعلت كذا لما حدث كذا”. “لو أنني قلت كذا لربما تغير كل شيء”. هذه الكلمة تفتح الباب أمام الندم واليأس، وتمنعنا من المضي قدمًا.

يجب أن نتذكر دائمًا أن ما مضى قد مضى، وأننا لا نستطيع تغييره. بدلًا من أن نضيع وقتنا في التفكير فيما كان يمكن أن يكون، يجب أن نركز على الحاضر، وأن نعمل على بناء مستقبل أفضل. قول “قدر الله وما شاء فعل” هو سلاح قوي ضد وساوس الشيطان. هذه العبارة تعبر عن التسليم بقضاء الله وقدره، والإيمان بحكمته وعدله.

التوازن بين الروح والنفس: طريق التعافي

لا يكفي أن نركز على الجانب الروحي فقط. يجب أيضًا أن نعتني بسلامتنا النفسية. بعد الاستعاذة بالله واللجوء إليه، يجب أن نراقب مشاعرنا، وأن نفهم أنها لن تدوم. لكل شعور عمر محدود، ولكن الأهم هو أن نفصل بين الشعور ومسببه.

هذا الفصل هو مفتاح التعامل مع الألم النفسي. عندما نتمكن من رؤية المشاعر على أنها مجرد ردود فعل عابرة، فإننا نصبح أقل عرضة للسيطرة عليها. هذا لا يعني أننا يجب أن نتجاهل مشاعرنا، بل يعني أننا يجب أن نتعامل معها بطريقة صحية وعقلانية.

إرادة الله غالبة

في النهاية، يجب أن نؤمن بأن إرادة الله غالبة لا محالة. الله هو الذي يمنح السعادة، وهو الذي يرفع البلاء. قد لا نفهم حكمته في كل شيء، ولكن يجب أن نثق به، وأن نسلم له الأمر.

التعامل مع الفراق ليس بالأمر السهل، ولكنه ليس مستحيلاً أيضًا. بالصبر والإيمان والتوكل على الله، يمكننا أن نتجاوز هذه المحنة، وأن نخرج منها أقوى وأكثر حكمة. تذكر أن الموتى الأحياء ليسوا نهاية الطريق، بل هم مجرد معلم من معالمه. كلما خطرت على بالك ذكراهم، فاستعذ بالله منهم ومن الشيطان، واطلب منه العون والتوفيق.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version