أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، يوم الجمعة، عن تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق في قلب سوريا، استهدفت أكثر من 70 موقعاً تابعاً لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). يأتي هذا الهجوم في سياق الجهود المستمرة لمكافحة الإرهاب، ويهدف إلى تعطيل العمليات الإرهابية المحتملة والقضاء على التهديد المستمر الذي يمثله داعش في المنطقة. وقد أثار هذا التصعيد أسئلة حول مستقبل المواجهة مع التنظيم المتطرف، واستراتيجية الردع المتبعة.
الهجوم الأمريكي على داعش في سوريا: تفاصيل وخلفيات
العملية العسكرية، التي استخدمت طائرات مقاتلة ومروحيات هجومية بالإضافة إلى المدفعية، استهدفت مواقع متفرقة في البادية السورية، وهي منطقة وعرة وشاسعة تعتبر معقلاً رئيسياً لفلول التنظيم. ووصف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الهجوم بأنه “رد انتقامي قاسٍ جداً” على هجوم سابق أدى إلى مقتل ثلاثة جنود أمريكيين، مما يؤكد على التزام الإدارة الأمريكية بالرد على أي تهديد لأمن قواتها في المنطقة.
أهداف العملية ونطاقها
لم يكن الهجوم مجرد رد فعل على حادثة محددة، بل كان جزءًا من استراتيجية أوسع نطاقاً تهدف إلى تدمير البنية التحتية التنظيمية لـ داعش، ومنع إعادة تجميع صفوفه، وتعطيل قدرته على شن هجمات. وتأكيداً على ذلك، صرح قائد القيادة الوسطى الأمريكية (CENTCOM) بأن القوات ستواصل “بلا هوادة” ملاحقة عناصر التنظيم الذين يهددون الأمريكيين وشركاءهم. كما تهدف العملية إلى إرسال رسالة واضحة لداعش بأن الولايات المتحدة والتحالف الدولي لن يتسامحا مع أي تهديد لأمن المنطقة أو محاولة لإعادة إحياء التنظيم.
السياق التاريخي لحرب التحالف ضد داعش
يعود تاريخ المواجهة مع داعش إلى عام 2014، عندما سيطر التنظيم على مساحات واسعة من الأراضي في العراق وسوريا، وأعلن عن ما يسمى بـ “الخلافة”. شكل هذا التوسع تهديداً وجودياً للأمن الإقليمي والدولي، مما استدعى تشكيل تحالف دولي واسع النطاق بقيادة الولايات المتحدة بهدف القضاء على التنظيم.
بعد سنوات من المعارك الضارية، بدعم من قوات محلية مثل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تمكن التحالف من دحر داعش وتحرير الأراضي التي كان يسيطر عليها، وتم إعلان الهزيمة الإقليمية لـ “الخلافة” في مارس 2019 بسقوط آخر معاقله في الباغوز. على الرغم من هذا الانتصار، لم يتم القضاء على التنظيم بشكل كامل، بل تحول إلى العمل السري وحركة تمرد، معتمداً على خلايا نائمة منتشرة في المناطق النائية.
التهديد المستمر: خلايا داعش النائمة في سوريا
على الرغم من فقدان سيطرتها على الأراضي، لا يزال تنظيم داعش يشكل تهديدًا حقيقيًا في سوريا. فمن خلال الخلايا النائمة، يتمكن عناصر التنظيم من إعادة تجميع صفوفهم والتخطيط لشن هجمات متفرقة ضد القوات الأمريكية وقوات التحالف والشركاء المحليين، وكذلك ضد المدنيين.
وتعتبر البادية السورية بيئة مثالية لعمل هذه الخلايا، بفضل تضاريسها الصعبة واتساعها الشديد، مما يجعل من الصعب رصد تحركاتهم وتعطيل أنشطتهم. العمليات الاستباقية مثل تلك التي نفذها البنتاغون، ضرورية لمنع عودة التنظيم وظهور تهديد إرهابي جديد. كما أن استمرار التعاون مع القوات المحلية، وتوفير الدعم الأمني والاستخباري لها، يلعب دوراً حاسماً في مكافحة الإرهاب في المنطقة.
الأهمية الإقليمية والدولية للعملية ضد داعش
إن العملية العسكرية الأمريكية الأخيرة ضد داعش تحمل أهمية كبيرة على عدة مستويات. على الصعيد المحلي السوري، تساهم هذه الضربات في تحسين الوضع الأمني وتقويض قدرة التنظيم على ترويع المجتمعات المحلية. إقليمياً، تبعث العملية برسالة قوية حول التزام الولايات المتحدة المستمر بمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، ودعمها لشركائها في مواجهة التهديدات الأمنية.
أما على الصعيد الدولي، فهي تؤكد على تصميم التحالف الدولي على منع داعش من إعادة بناء قدراته التي تمكنه من التخطيط وتنفيذ هجمات إرهابية في جميع أنحاء العالم. بالإضافة إلى ذلك، تلعب هذه العملية دوراً في حماية المصالح الأمريكية والأمن القومي، من خلال الحد من قدرة التنظيم على استقطاب المقاتلين الأجانب، ونشر أيديولوجيته المتطرفة.
مستقبل المواجهة مع داعش
لا تزال معركة مكافحة الإرهاب في سوريا مستمرة، وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها، إلا أن الأطراف المعنية ملتزمة بمواجهة تهديد داعش والقضاء عليه بشكل نهائي. يتطلب ذلك استمرار الجهود العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى معالجة الأسباب الجذرية التي تدفع إلى التطرف، وتعزيز الحوكمة والأمن في المناطق المتضررة. كما أن التعاون الدولي وتبادل المعلومات الاستخباراتية أمران ضروريان لضمان فعالية الجهود المبذولة في مكافحة الإرهاب. مستقبل سوريا والأمن الإقليمي يعتمد بشكل كبير على نجاح هذه الجهود في القضاء على تهديد داعش ومنع عودته.



