يشهد الجيش الروسي تصاعدًا ملحوظًا في حالات الإنشقاق منذ بدء الغزو الشامل لأوكرانيا، وهو ما يثير قلقًا متزايدًا حول معنويات القوات وقدرة روسيا على مواصلة العمليات العسكرية. تشير التقديرات إلى آلاف الجنود الذين حاولوا التهرب من الخدمة، وتكشف التقارير عن أساليب قاسية تستخدمها القيادة الروسية لإجبارهم على العودة إلى الجبهة. هذه الظاهرة ليست مجرد إحصائية، بل هي انعكاس لأزمة أعمق داخل الجيش الروسي، وتلقي الضوء على الظروف الصعبة التي يواجهها الجنود.

تصاعد حالات الإنشقاق في الجيش الروسي: أرقام مقلقة

تُظهر البيانات المتوفرة من مراكز بحثية مستقلة أن المحاكم العسكرية الروسية أصدرت أحكامًا بالسجن على ما لا يقل عن 18 ألف جندي بتهمة الهروب أو التخلف عن الخدمة. ويعتقد الخبراء أن العدد الفعلي للمنشقين قد يكون أكبر بكثير، نظرًا لصعوبة تتبع جميع الحالات في ظل الأوضاع الأمنية المعقدة. هذا الارتفاع في حالات الإنشقاق يعكس تزايد الاستياء والإحباط بين الجنود الروس، الذين يواجهون صعوبات جمة في القتال، بما في ذلك نقص الإمدادات، والخسائر الفادحة، والضغوط النفسية الشديدة.

أساليب القمع والإكراه: بين السجن والابتزاز النفسي

على الرغم من التهديدات القانونية الصارمة التي تصل إلى 15 عامًا في السجن، يبدو أن القيادة العسكرية الروسية تفضل في كثير من الأحيان استخدام أساليب أكثر إلحاحًا لإعادة الجنود الهاربين إلى الجبهة. وتشمل هذه الأساليب الضرب، والابتزاز النفسي، والتلاعب العاطفي، والتهديد بأسر أفراد عائلاتهم. هذه الممارسات تنتهك بشكل صارخ حقوق الإنسان الأساسية، وتزيد من معاناة الجنود الذين يحاولون الهروب من الحرب.

شبكة تعقب متطورة: مراقبة الهواتف والكمائن

تكشف شهادات المنشقين، التي جمعتها وسائل إعلام مثل The Insider، عن وجود نظام متكامل لتعقب الجنود الهاربين. يعتمد هذا النظام على مراقبة الهواتف المحمولة، وفحص العناوين المسجلة، وتنفيذ كمائن بالقرب من منازل الأصدقاء والأقارب. هذا المستوى من المراقبة يوضح مدى جدية السلطات الروسية في منع المزيد من حالات الإنشقاق، واستعدادها لاستخدام جميع الوسائل المتاحة لتحقيق هذا الهدف.

إجراءات أمنية صارمة للهروب الناجح

وفقًا لخبراء مشروع Get Lost، فإن الهروب من الجيش الروسي يتطلب حذرًا شديدًا واتباع إجراءات أمنية صارمة. من بين هذه الإجراءات: عدم استخدام البطاقات المصرفية، وعدم الإقامة في العناوين الرسمية، وتغيير أسلوب الحياة بالكامل لتجنب التعقب. كما ينصحون بتجنب التواصل مع الأصدقاء والعائلة عبر الهواتف المحمولة، واستخدام وسائل اتصال مشفرة بدلاً من ذلك. هذه النصائح تؤكد على المخاطر الكبيرة التي يواجهها الجنود الذين يحاولون الهروب من الخدمة العسكرية.

قصص مروعة من خطوط الجبهة: يأس الجنود الروس

تلقي قصص الجنود المنشقين الضوء على القسوة والضغوط التي يواجهونها في ساحة المعركة. ألكسندر، وهو اسم مستعار، حاول الفرار عدة مرات، لكنه أُلقي القبض عليه وأُعيد إلى الجبهة في دونيتسك، حيث أصبح مصيره مجهولًا. زوجته، يفغينيا، تروي كيف تعرض زوجها للتهديد والتعذيب النفسي بسبب محاولات الهروب.

قصة سيرغي، الاسم المستعار لآخر جندي، لا تقل مأساوية. فقد دفع مبلغًا كبيرًا من المال للحصول على وثائق مزيفة، لكنه اكتشف أنه تعرض للاحتيال. بعد إعادته إلى وحدته، واجه المزيد من الضغوط والتهديدات. شهد سيرغي خلال فترة خدمته في زابوريزهيا، الهجمات وعمليات القتل، وإهمال الجرحى، والفوضى المستمرة، مما زاد من يأس ورغبته في الهروب.

حتى المتطوعون يعانون: ضغوط نفسية ودمار شامل

حتى الجنود الذين تطوعوا للقتال، غالبًا تحت ضغط الظروف الشخصية، لم يسلموا من المعاناة. أحدهم، الذي لم يتم الكشف عن هويته، اضطر للتعامل مع الطائرات المسيرة والألغام والقتلى في ظروف مأساوية، قبل أن يتمكن من الفرار في رحلة محفوفة بالمخاطر. كان يعلم أن السلطات تراقبه باستمرار، لكنه كان مستعدًا للمخاطرة بحياته من أجل الحرية.

أزمة أعمق في الجيش الروسي: نقص الجنود وتداعياته

يشير الخبراء إلى أن استمرار هذه الملاحقة لحالات الإنشقاق يعكس أزمة أعمق داخل الجيش الروسي. فالقيادة تعاني من نقص حاد في الجنود، وهو ما يدفعها لاستخدام أي وسيلة ممكنة للحفاظ على أعداد القوات، حتى لو كان ذلك على حساب حقوق وحياة الجنود. يقول إيفان تشوفيليايف من مشروع Get Lost: “مراقبة الهارب لا تتوقف أبدًا، ويجب على الشخص الذي يحاول الفرار ألا يعيش في العنوان المسجل، وأن يتجنب استخدام الهواتف وبطاقات البنك.” هذا النقص في الجنود يضعف قدرة روسيا على مواصلة الحرب في أوكرانيا، ويزيد من احتمالية حدوث المزيد من الخسائر.

الخلاصة: مستقبل غامض للجيش الروسي

إن تصاعد حالات الإنشقاق في الجيش الروسي، والأساليب القاسية التي تستخدمها القيادة لإعادة الجنود الهاربين، تشير إلى أن الوضع يزداد سوءًا. هذه الظاهرة ليست مجرد مشكلة عسكرية، بل هي أيضًا انعكاس لأزمة سياسية واجتماعية أعمق. من الواضح أن الجيش الروسي يواجه تحديات كبيرة، وأن مستقبله لا يزال غامضًا. من المهم متابعة هذا التطور عن كثب، وتحليل أسبابه وتداعياته المحتملة. هل ستتمكن القيادة الروسية من احتواء هذه الأزمة، أم أنها ستؤدي إلى المزيد من الضعف والانحدار؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه الآن.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version