بقلم:&nbspيورونيوز

نشرت في

اعلان

رفضت تايلاند عروض الوساطة المقدَّمة من “طرف ثالث” للمساعدة في احتواء النزاع المتصاعد مع كمبوديا، مؤكدة تمسّكها بالحوار الثنائي كسبيل وحيد للتسوية، ومطالبةً “جارتها” بوقف هجماتها فورًا، بحسب ما أعلنته وزارة الخارجية التايلاندية الجمعة.

وقال المتحدث باسم الوزارة، نيكورنديج بالانكورا، في تصريح لوكالة “رويترز”، إن بلاده “لا ترى حاجة في هذه المرحلة لأي وساطة من طرف ثالث”، مشيرًا إلى أن بانكوك “تؤمن بأن الآلية الثنائية بين البلدين هي السبيل الأمثل للخروج من الأزمة”.

وأضاف: “هذا نزاع بين دولتين، ونرى أن الحل يجب أن يكون عبر الحوار المباشر. لكن على كمبوديا أولًا وقف جميع الأعمال العدائية على الحدود”. وأردف بالقول: “أبوابنا لا تزال مفتوحة للحوار”.

وكانت الولايات المتحدة والصين وماليزيا قد عرضت التوسط لتهدئة التوتر، لكن بانكوك تفضل تسوية داخلية بعيدًا عن التدخلات الخارجية، بحسب المتحدث التايلاندي.

وتواصلت الاشتباكات المسلحة بين تايلاند وكمبوديا لليوم الثاني على التوالي، الجمعة، على خلفية نزاع حدودي مستمر منذ أشهر، أسفر حتى الآن عن مقتل ما لا يقل عن 15 شخصًاونزوح أكثر من 100 ألف شخص من الجانبين.

وأعلنت السلطات في البلدين أن القتال اندلع فجر الجمعة بعدما بدأت القوات الكمبودية إطلاق النار باستخدام أسلحة خفيفة وثقيلة، بحسب ما أفاد العقيد ريتشا سوكسوانون، المتحدث باسم الجيش التايلاندي. وردت تايلاند بقصف مدفعي، في اشتباكات شملت مناطق في مقاطعتَي “أوبون راتشاثاني” و”سورين” شرق البلاد، بحسب الجيش.

وأشار الجيش التايلاندي إلى استخدام كمبوديا لصواريخ ثقيلة، فيما قامت وحدات الجيش بإزالة ألغام ونقل جثث القتلى من منطقة “كانثارالاك” التي تعرضت للقصف الخميس.

ضربات جوية وتبادل للاتهامات

في أعقاب اشتباكات الخميس، نفذت تايلاند غارات جوية باستخدام مقاتلات “إف-16” استهدفت ما وصفته بأنه “مواقع عسكرية كمبودية”.

وفي المقابل، اتهمت وزارة الدفاع الكمبودية تايلاند بارتكاب “عدوان عسكري وحشي وانتهاك صارخ للقانون الدولي”، مؤكدة أن قصفًا جويًا استهدف طريقًا قرب معبد “بريا فيهيار” التاريخي، المصنف ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو. وأضافت أن كمبوديا “تحتفظ بحقها في الدفاع المشروع وسترد بحزم على أي اعتداء”.

أوضاع إنسانية متدهورة ونزوح جماعي

أفادت وزارة الصحة التايلاندية بمقتل 14 شخصًا على الأقل، معظمهم من المدنيين، فيما أكدت السلطات في محافظة “أودار مينشي” الكمبودية مقتل شخص واحد وإصابة خمسة، مشيرة إلى أن الأوضاع لا تزال متوترة.

ووفق وكالة “أسوشيتد برس”، نزح أكثر من 4,000 كمبودي من المناطق الحدودية، بينما لجأ أكثر من 100,000 تايلاندي إلى مراكز إيواء مؤقتة، بحسب وزارة الداخلية. وأظهرت مشاهد من محافظة “سورين” مواطنين يفترشون الأرض داخل جامعة محلية، فيما وثقت لقطات أخرى قوافل من السكان يفرون ليلاً، حاملين ممتلكاتهم تحت أغطية بلاستيكية.

وقالت إحدى النازحات، نجيرنترا برانورام، لوكالة “رويترز”: “أنا مصدومة مما يحدث.. كبار السن وذوو الإعاقة يعانون كثيرًا في هذه الظروف، ولا يملك الجميع وسائل نقل”.

خلفية النزاع: حدود غير مرسّمة ومعابد متنازع عليها

يمتد النزاع الحدودي بين البلدين على طول 800 كيلومتر، وقد رُسم جزء كبير منه في عهد الاستعمار الفرنسي لكمبوديا، لكنه لا يزال غير محدد بدقة في عدة مواقع، بينها مناطق تضم معابد تاريخية يدّعي كل من الجانبين السيادة عليها.

وفي مايو/أيار الماضي، قُتل جندي كمبودي في اشتباك بمنطقة مثلثة الحدود بين كمبوديا وتايلاند ولاوس، أعقبه تصعيد تدريجي من الطرفين. وفي يوليو/تموز، أصيب ستة جنود تايلانديين بانفجار ألغام، مما فاقم من تدهور العلاقات.

وتتمتع تايلاند بتفوق عسكري واضح على جارتها، إذ يبلغ عدد قواتها النظامية نحو 361 ألف جندي، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف عدد القوات الكمبودية، كما تُعد حليفًا غير عضو في الناتو للولايات المتحدة، ما يمنحها دعما عسكريًا طويل الأمد.

تداعيات سياسية داخل تايلاند

أدى التصعيد الأخير إلى أزمة سياسية داخلية في تايلاند، حيث أُوقف رئيسة الوزراء بايتونغتارن شيناواترا عن العمل في يوليو بعد تسريب مكالمة مع الزعيم الكمبودي السابق هون سين، بدا فيها أنها تنتقد موقف جيش بلادها. وتواجه شيناواترا، التي تُعد أصغر رئيس وزراء في تاريخ البلاد، احتمال العزل النهائي من منصبها.

موقف السلطات والدعوات الدولية

تبادلت الحكومتان التهم بالمسؤولية عن اندلاع الاشتباكات. وأكدت تايلاند أن كمبوديا بدأت الهجوم بإطلاق صواريخ على أراضيها، مما دفعها للرد بضربات جوية. وقال العقيد سوكسوانون إن القصف التايلاندي استهدف فقط مواقع عسكرية كمبودية.

أما رئيس الوزراء التايلاندي بالوكالة، فومتام ويتشاياشاي، فأكد أن الهجمات الكمبودية لم تكن موجهة لأهداف محددة، ما أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين، مضيفًا أن المفاوضات مع كمبوديا “لن تبدأ إلا بعد توقف القتال”.

دوليًا، دعت كل من الولايات المتحدة واليابان إلى وقف فوري لإطلاق النار، وحثّ المتحدث باسم الخارجية الأميركية تومي بيغوت على “حماية المدنيين والتوصل لحل سلمي للنزاع”. كما حذرت بريطانيا مواطنيها من السفر إلى المناطق الحدودية بين البلدين.

في انتظار التهدئة

رغم تصريحات الطرفين برغبتهما في التهدئة، تشير التحركات العسكرية والتصعيد السياسي إلى أن الأزمة مرشحة لمزيد من التعقيد، ما لم يتم التوصل إلى تسوية سياسية شاملة تعيد ضبط العلاقات بين الجارتين المتوترتين.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version