بقلم: يورونيوز
         نشرت في
            
            
أكد رئيس اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق المعنية بسوريا، باولو سيرجيو بينيرو، أن “تحديات هائلة” لا تزال تواجه البلاد، مشيراً إلى أن “الخطوات الإيجابية التي اتخذتها الحكومة نحو بناء الدولة لم تُترجم بعد إلى أمن مستدام”.
وشدّد بينيرو، في كلمة مسجّلة أمام اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الخميس، على أن “موجات العنف المتكررة والمقلقة خفّفت من التفاؤل بشأن قدرة السلطات المؤقتة على وضع حد لدورات العنف المتجذرة في سوريا”.
وأضاف أن السوريين يقفون اليوم أمام “فرصة حقيقية” لإعادة بناء بلدهم على أساس احترام الكرامة وحقوق الإنسان لجميع المواطنين، لكنه حذّر من أن استمرار الانتهاكات قد يُفقِد هذه الفرصة مصداقيتها.
مذابح آذار ودمار السويداء
في سياق عرضه لأحدث تقارير اللجنة، أشار بينيرو إلى الأحداث الدامية التي وقعت في آذار/مارس، حيث قُتل نحو 1400 رجل وامرأة وطفل، بينهم رُضّع لا تتجاوز أعمارهم سنة واحدة، في مذابح استهدفت محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة.
كما أفاد بأن فريق اللجنة زار مدينة السويداء والمناطق الريفية المحيطة بها، التي تضررت بشدة من أعمال العنف في تموز/يوليو، و”شهد مباشرة مستوى الدمار في عشرات القرى ذات الأغلبية الدرزية غرب السويداء”، واصفاً المشهد بـ”الموت والدمار الهائلين”.
ودعا بينيرو السلطات المؤقتة والدول الأعضاء إلى “معالجة الأسباب الكامنة وراء أعمال العنف الأخيرة على وجه السرعة، ومنع تكرار الانتهاكات، وبناء الثقة بين الدولة والمجتمعات المتضررة، بما في ذلك من خلال محاسبة المسؤولين عنها”.
تصاعد العنف ضد النساء
لفت رئيس اللجنة إلى أن “العنف والتمييز ضد المرأة يشكل مصدر قلق متزايد”، مشيراً إلى تقارير متعددة عن اختطاف نساء وفتيات على يد مسلحين مجهولين، تعرض بعضهن للعنف الجنسي والزواج القسري.
ولفت إلى أن عائلات الضحايا أفادت بأنه، على الرغم من إبلاغ السلطات المحلية باختفائهن، “لم يُتخذ أي إجراء للتحقيق أو المتابعة”.
كما تناول بينيرو تقدّم القوات الإسرائيلية إلى جنوب سوريا، وما تبع ذلك من “تشريد قسري للمدنيين، واحتجاز تعسفي، واستمرار الغارات الجوية”.
وأشار كذلك إلى استمرار التوترات في شمال شرق سوريا، محذراً من أن التحديات التي تواجه السلطات المؤقتة “هائلة وتتطلب اهتماماً متضافراً ودعماً وموارد من الدول الأعضاء”.
وشدّد على أن “سوريا، البلد الآمن الذي يحترم الحقوق ويعكس التنوع الفسيفسائي للمجتمعات الدينية والعرقية، بحاجة إلى مؤسسات دولة قوية وجامعة وفعالة، قائمة على حقوق الإنسان وسيادة القانون”.
أكثر من 430 ألف نازح في سبعة أشهر
في موازاة التحذيرات الأممية، كشف تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” أن أكثر من 430 ألف سوري شُرّدوا من منازلهم بين ديسمبر 2024 ويوليو 2025، في موجة نزوح جديدة تأتي بعد أشهر قليلة من انتهاء الحرب الأهلية التي دامت نحو 14 عاماً بإطاحة نظام بشار الأسد.
ورغم التطلعات التي رافقت سقوط النظام، فإن الانتقال السياسي الهش فجّر صراعات جديدة على الأرض، دفعت مدنيين إلى الفرار مجدداً من مناطق ظنّوا أنها أصبحت آمنة.
وأوضح التقرير أن أسباب النزوح تنوّعت بين أعمال انتقامية، واندلاع عنف طائفي، وتصاعد نزاعات ملكية عقارية تمتد جذورها لعقود، إضافة إلى توسع الجيش الإسرائيلي في جنوب سوريا منذ ديسمبر الماضي.
اشتباكات طائفية في السويداء
ففي محافظة السويداء، التي تُعد معقلاً للأقلية الدرزية، اندلعت في يوليو اشتباكات دامية بين الدروز وقبائل بدوية مجاورة، سرعان ما اتخذت طابعاً طائفياً بعد تدخل قوات موالية للحكومة الجديدة في دمشق، التي ينتمي قادتها إلى الأغلبية السنية. وبحسب “نيويورك تايمز”، تصاعدت التوترات القديمة بين الطرفين بشكل مفاجئ في 17 يوليو، حين طالب مسلحون دروز سكاناً بدوياً في قرية الشهباء بمغادرة منازلهم خلال ساعة.
روت ريم الحوران، موظفة في مؤسسة المياه المحلية، كيف فرّت مع عائلتها إلى منزل قريب، قبل أن تُجليهم فرق الهلال الأحمر السوري إلى خارج دمشق، مشيرة إلى مقتل ستة من أفراد عائلتها في الهجوم، بينهم طفلة تبلغ من العمر سبع سنوات وامرأة مسنة تبلغ 85 عاماً.
كما وثّقت الصحيفة تنفيذ قوات الأمن الحكومية إعداماً واحداً على الأقل لمدني درزي، إضافة إلى أربع عمليات إعدام أخرى نفّذها مسلحون يرتدون زياً عسكرياً.
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، بلغ عدد القتلى في أحداث السويداء أكثر من 1300 شخص، منهم نحو 400 مدني، أغلبهم من الدروز.
نزوح علويين من ريف دمشق
وفي ضاحية السومرية بريف دمشق، فرّ مئات العلويين في أواخر أغسطس بعدما داهمت قوات مسلحة منازلهم، بحسب شهود عيان ومسؤول محلي. وقالت امرأة علوية تبلغ من العمر 32 عاماً إن مسلحين، بعضهم ملثّمون، اقتحموا منزلها وسحبوها من شعرها ووجّهوا إليها إهانات طائفية، رغم أنها كانت قد أعدّت وثائق ملكية عقارها استعداداً لزيارة لجنة حكومية رسمية.
ونقلت “نيويورك تايمز”عن محافظ دمشق، ماهر مروان إدلبي، قوله إن ما حدث في السومرية ناتج عن “عقود من الاستيلاء غير القانوني على الأراضي وصفقات عقارية فاسدة” تحت حكم الأسد، داعياً السكان إلى تجنّب “اللجوء إلى فضّ النزاعات بأنفسهم، خشية تفشي الفوضى”.
من جهتها، نفت وزارة الإعلام ارتكاب قوات الأمن أي عنف، مؤكدة أن السكان كانوا يقيمون “على أراضٍ تابعة للدولة بشكل غير قانوني”، وأن تدخل الأمن جاء بعد اندلاع اشتباكات بين السكان أنفسهم.
الجيش الإسرائيلي يوسع نفوذه في الجنوب
في جنوب البلاد، قالت “نيويورك تايمز” إن قوات إسرائيلية اجتاحت بلدات سورية في محافظة القنيطرة بعد أيام من سقوط النظام، ووسّعت منذ ذلك الحين نطاق سيطرتها، وفقاً لمسؤولين محليين وهيومن رايتس ووتش.
ونقلت الصحيفة عن هبة زيدان، باحثة سورية في المنظمة: “لا ينبغي أن يُمنح الجيش الإسرائيلي حرية التصرّف في سوريا للاستيلاء على المنازل أو تدميرها وطرد العائلات منها”.
وأشارت إلى أن عشرات العائلات شُرّدت جراء هذه العمليات، فيما وصفتها إسرائيل بأنها “إجراءات مؤقتة لحماية أمنها”.


