في خطوة تاريخية تهدف إلى تعزيز الأمن القومي وتقليل الاعتماد على الخارج، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استثمار ضخم في تطوير صناعة الأسلحة الإسرائيلية. هذا القرار، الذي يتضمن تخصيص 350 مليار شيكل (حوالي 110 مليارات دولار) على مدى العقد القادم، يأتي في ظل تحديات جيوسياسية متزايدة وتغيرات في ديناميكيات التحالفات الدولية. يمثل هذا الاستثمار تحولاً استراتيجياً نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في القطاع الدفاعي، وهو ما سيؤثر بشكل كبير على مستقبل الأمن الإسرائيلي.

استثمار تاريخي في الاكتفاء الذاتي الدفاعي

الإعلان عن هذا الاستثمار الضخم جاء خلال حفل عسكري في قاعدة جوية جنوب إسرائيل، حيث أكد نتنياهو على أهمية بناء صناعة الأسلحة الإسرائيلية قادرة على تلبية احتياجات الجيش الإسرائيلي بشكل كامل. وأضاف أن الهدف ليس فقط الحصول على الإمدادات الأساسية، بل أيضاً تطوير أنظمة أسلحة متقدمة تضمن تفوق إسرائيل في ساحات القتال المستقبلية.

دوافع القرار وتوقيته

هذا التوجه نحو الاستقلالية الدفاعية لم يأتِ من فراغ. فبعد عامين من الصراعات المتعددة، تعرضت الموارد العسكرية الإسرائيلية لضغوط كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، شهدت إسرائيل توقفاً في مبيعات الأسلحة من بعض الدول احتجاجاً على الأحداث في غزة، كما فرض حلفاء مقربون قيوداً على الإمدادات في مراحل معينة. هذه العوامل دفعت نتنياهو إلى التأكيد على ضرورة الاعتماد على الذات لتجنب أي انقطاع محتمل في الإمدادات، واصفاً هذا النهج بـ “إسبارطة العظمى”.

تعزيز الميزانية العسكرية وتأثيرها على الصناعة

لا يقتصر الأمر على الاستثمار الجديد فحسب، بل يشمل أيضاً زيادة ملحوظة في الميزانية العسكرية الإسرائيلية بشكل عام. ففي عام 2026، من المقرر أن تخصص إسرائيل حوالي 16% من إنفاقها العام للدفاع، أي ما يعادل 112 مليار شيكل (حوالي 35 مليار دولار) من ميزانية إجمالية تبلغ 662 مليار شيكل.

مقارنة بين الميزانيات العسكرية قبل وبعد الحرب

هذه الزيادة تمثل ارتفاعاً كبيراً مقارنة بميزانية الدفاع قبل اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، والتي كانت تبلغ حوالي 65 مليار شيكل. وفي عام 2025، ارتفعت المخصصات العسكرية من 107 مليار شيكل إلى 163 مليار شيكل (حوالي 51 مليار دولار). هذه الأرقام تعكس التزام الحكومة الإسرائيلية بتعزيز قدراتها الدفاعية وتطوير القطاع الدفاعي بشكل مستدام.

الاعتماد على الولايات المتحدة وتوجهات جديدة

لطالما اعتمد الجيش الإسرائيلي بشكل كبير على المعدات العسكرية الأمريكية بموجب اتفاق تعاون طويل الأمد. ففي عام 2025، تلقت إسرائيل مساعدات عسكرية أمريكية بلغت 3.3 مليارات دولار، بالإضافة إلى 500 مليون دولار للتعاون في مجال الدفاع الصاروخي.

البحث عن بدائل وتقليل التبعية

على الرغم من استمرار التعاون مع الولايات المتحدة، يبدو أن إسرائيل تسعى إلى تنويع مصادرها وتقليل اعتمادها على دولة واحدة. هذا التوجه يتجلى في الاستثمار في تطوير الأسلحة محلياً، وتشجيع الابتكار في الصناعات الدفاعية الإسرائيلية. يهدف هذا إلى بناء قاعدة صناعية قوية قادرة على إنتاج مجموعة واسعة من الأسلحة والمعدات العسكرية، بدءاً من الذخيرة وصولاً إلى الأنظمة المتطورة.

الرسائل السياسية والاستراتيجية للاستثمار

لا يحمل هذا الاستثمار دلالات عسكرية بحتة، بل يتضمن أيضاً رسائل سياسية واستراتيجية واضحة. فنتنياهو أكد أن إسرائيل رسخت مكانتها كقوة إقليمية، وفي بعض المجالات كقوة عالمية، وأن السلام يُصنع مع الأقوياء لا مع الضعفاء.

تعزيز مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية

هذه التصريحات تعكس رغبة إسرائيل في إظهار قوتها وقدرتها على حماية مصالحها بشكل مستقل. كما أنها تشير إلى أن إسرائيل لن تتنازل عن سعيها لتحقيق الاكتفاء الذاتي في المجال الدفاعي، حتى لو كان ذلك يعني تقليل اعتمادها على حلفائها. إن تطوير القدرات الدفاعية يمثل ركيزة أساسية لتعزيز مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية.

مستقبل الصناعات الدفاعية الإسرائيلية

يمثل هذا الاستثمار الضخم نقطة تحول في تاريخ الصناعات الدفاعية الإسرائيلية. فمن المتوقع أن يؤدي إلى طفرة في الابتكار والتطوير، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وخلق فرص عمل جديدة. كما أنه سيعزز من قدرة إسرائيل على المنافسة في السوق العالمية للأسلحة، وتصدير منتجاتها إلى دول أخرى.

الابتكار والتطوير كركيزة أساسية

بالإضافة إلى ذلك، سيساهم هذا الاستثمار في تعزيز التعاون بين الجيش الإسرائيلي والشركات الدفاعية المحلية، مما سيؤدي إلى تطوير أسلحة ومعدات عسكرية تلبي الاحتياجات الفعلية للجيش. إن مستقبل الصناعة العسكرية الإسرائيلية يبدو واعداً، بفضل هذا الاستثمار التاريخي والالتزام الحكومي بتعزيز الاكتفاء الذاتي في القطاع الدفاعي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version