في إطار العلاقات الفرنسية الجزائرية المعقدة، أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن رغبته في بناء شراكة “هادئة” مع الجزائر، مع التأكيد على وجود تحديات جوهرية تتطلب معالجة دقيقة. يأتي هذا التصريح خلال انعقاد قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرغ، ويُشير إلى استمرار التوترات في ملفات حيوية مثل الأمن والهجرة والاقتصاد، مما يجعل مستقبل العلاقات الفرنسية الجزائرية محل مراقبة دقيقة.

تطورات قمة مجموعة العشرين وتأثيرها على العلاقات الثنائية

لم تتحقق فرصة اللقاء المباشر بين الرئيس ماكرون ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون خلال قمة مجموعة العشرين، وذلك بسبب غياب الأخير. كان من المتوقع أن يناقش الزعيمان القضايا العالقة في إطار جهود لتهدئة الأجواء المتوترة، خاصةً بعد إصدار الرئيس تبون عفواً إنسانيًا عن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال.

إلا أن غياب تبون لم يمنع ماكرون من التعبير عن موقفه. وشدد خلال مؤتمر صحفي على أن الوضع الحالي للعلاقات “غير مرضٍ”، وأن بلاده تتطلع إلى تحقيق “نتائج” ملموسة في المجالات المذكورة. هذا التأكيد يعكس عدم الرضا الفرنسي عن وتيرة التقدم في حل المشاكل الثنائية.

العفو عن بوعلام صنصال: إشارة إيجابية أم مجرد خطوة شكلية؟

العفو عن الكاتب بوعلام صنصال، الذي قضى عامًا في السجن في قضية أثارت جدلاً دبلوماسيًا كبيرًا، جاء بناءً على طلب من الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير. ربما اعتبرت باريس هذه الخطوة بمثابة إشارة إيجابية من الجانب الجزائري، لكنها بالتأكيد لم تكن كافية لفتح باب الحوار الشامل والجاد الذي يطمح إليه ماكرون.

استقبال الرئيس الفرنسي لصنصال في قصر الإليزيه مباشرة بعد إطلاق سراحه يؤكد على أهمية هذه القضية بالنسبة لفرنسا، ورغبتها في إظهار دعمها للمثقفين الجزائريين. ومع ذلك، يبدو أن الجزائر تربط أي تحسن في العلاقات الفرنسية الجزائرية بتحقيق تقدم حقيقي في الملفات الأمنية والاقتصادية.

تصريحات ماكرون السابقة وشروط الحوار

قبل أيام من قمة العشرين، في الثامن عشر من نوفمبر، عبّر ماكرون عن استعداده للحوار مع تبون، لكنه وضع شروطًا واضحة لهذا الحوار. وشدد على أنه يجب أن يتم في إطار “جادّ وهادئ” يحترم مكانة فرنسا، وأن يكون مرتبطًا بإمكانية تحقيق نتائج “ملموسة”.

هذه الشروط تعكس القلق الفرنسي من تكرار التجارب السابقة التي لم تؤدِ إلى تغييرات حقيقية على الأرض. كما تشير إلى أن باريس لم تنسَ الخلافات العميقة التي تفصل بين البلدين، خاصةً فيما يتعلق بمسائل السيادة والذاكرة التاريخية. التعاون الأمني يُعد من أهم تلك المسائل التي عبر ماكرون عن أهميتها.

التحديات المستمرة في الملفات العالقة

بالرغم من الجهود الدبلوماسية المبذولة، لا تزال هناك العديد من العقبات التي تعيق تحقيق الاستقرار في العلاقات الفرنسية الجزائرية.

  • الأمن: تظل مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل من الاهتمامات المشتركة، ولكن هناك اختلافات في الرؤى حول كيفية التعامل مع هذه القضية.
  • الهجرة: تعتبر الهجرة غير النظامية من القضايا الحساسة، خاصةً مع تزايد الضغوط على الحدود الأوروبية. تختلف باريس والجزائر حول مسؤولية إدارة تدفقات المهاجرين.
  • الاقتصاد: تعتبر الجزائر شريكًا تجاريًا هامًا لفرنسا، ولكن هناك خلافات حول الاستثمارات الفرنسية في الجزائر، وإتاحة الفرص للشركات الفرنسية. كما أن مسألة الغاز الجزائري وأهميته لأمن الطاقة الأوروبي تلعب دورًا في هذه العلاقة الاقتصادية.

البحث عن مسار جديد للتقارب

يبدو أن كلا البلدين يدركان أهمية الحفاظ على علاقات جيدة، وذلك لأسباب جيوسياسية واقتصادية. الجزائر هي لاعب رئيسي في منطقة شمال إفريقيا، ولها دور مهم في قضايا الأمن الإقليمي. أما فرنسا، فما زالت تحتفظ بمصالح اقتصادية وسياسية كبيرة في الجزائر.

لتحقيق التقارب المنشود، يجب على الطرفين التخلي عن الأجندات الضيقة، والتركيز على المصالح المشتركة. كما يجب أن يكون الحوار مبنيًا على الاحترام المتبادل، وعلى الاعتراف بالتحديات التاريخية التي أثرت على العلاقة بين البلدين. السياسة الجزائرية تضع في اعتبارها الاستقلالية في صنع القرار، وهو ما قد يفسره البعض على أنه حذر في التعامل مع الشركاء التقليديين.

في الختام، تظل العلاقات الفرنسية الجزائرية في حالة من عدم اليقين. تصريحات ماكرون الأخيرة تؤكد على أهمية الحوار، ولكنها تشير أيضًا إلى وجود تحديات كبيرة يجب التغلب عليها. مستقبل هذه العلاقة يعتمد على مدى قدرة الطرفين على بناء الثقة، والعمل معًا من أجل تحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة. من الضروري متابعة التطورات السياسية والاقتصادية في كلا البلدين، وتحليل تأثيرها على مسار التقارب الثنائي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version