عشر سنوات على هجمات باريس: الإسلاموفوبيا تتفاقم في فرنسا

في ليلة 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، هزت باريس سلسلة هجمات إرهابية مروعة، خلفت وراءها 130 قتيلاً و360 جريحًا. بعد مرور عشر سنوات على تلك الحادثة الأليمة، لا تزال ذكراها حاضرة في أذهان الفرنسيين، وبخاصة الجالية المسلمة التي وجدت نفسها في موضع اتهام ومشتبَه به. الإسلاموفوبيا، ذلك المصطلح الذي بات يُستخدم لوصف مشاعر الكراهية والخوف من الإسلام والمسلمين، ازداد انتشاره في فرنسا منذ تلك الهجمات.

الجالية المسلمة: بين ضحايا الإرهاب والمشتبه بهم

يشير مهدي الزيداوي، الصحفي المغربي المقيم في فرنسا، إلى أن الجالية المسلمة تعيش مفارقة صعبة؛ فهي من جهة ضحية للإرهاب، حيث سقط عدد من أبنائها في تلك الهجمات، ومن جهة أخرى ضحية لسلوكيات تحاصرهم بالشك والاتهام. ورغم إدانة مسلمي فرنسا لتلك الهجمات، إلا أنهم عانوا من “ضيق الخناق” بعدها، حيث أصبحوا محل شك دائم. يعتقد الزيداوي أن تلك الهجمات منحت الشرعية لسياسات وإجراءات اتخذتها الحكومات الفرنسية المتعاقبة، مثل قانون مكافحة الانعزالية الإسلامية الذي أثار جدلاً واسعًا.

السياسات والإجراءات: تضييق على الجالية المسلمة

كان قانون 2004 الذي حظر ارتداء الرموز الدينية في المدارس، وإجراء منع النساء المحجبات من المشاركة في الأنشطة المدرسية أو دخول المؤسسات العامة، من بين الإجراءات التي اعتبرها البعض “تضييقًا” على الجالية المسلمة. كما ساهمت تصريحات بعض المسؤولين، مثل وزير الداخلية السابق كريستوف كاستانير الذي اعتبر بعض الممارسات “علامات تطرف”، في تفاقم المشكلة. يرى الزيداوي أن هذه الإجراءات لم تكن وليدة الهجمات، بل جاءت لتعزيز سياسات قائمة مسبقًا.

خطاب اليمين المتطرف: تغذية العداء ضد المسلمين

يلعب اليمين المتطرف في فرنسا وأوروبا دورًا رئيسيًا في تصاعد العداء ضد الجالية المسلمة. يستغل هذا التيار الحوادث الإرهابية أو القضايا الاجتماعية والاقتصادية لربط المسلمين بالإرهاب، مستخدمًا خطابًا إعلاميًا يركز على “الخطر الثقافي والديني” الذي يهدد الهوية الوطنية. وتتجلى مظاهر الإسلاموفوبيا في أشكال متعددة، من التصريحات السياسية المثيرة للجدل إلى الحوادث اليومية التي تستهدف المسلمين.

شهادات من الواقع: معاناة المسلمين في فرنسا

يقول محمد نذير سالم، وهو تونسي يعيش في فرنسا منذ سبع سنوات: “ألاحظ أحيانًا سلوكيات تنم عن عداء تجاه المسلمين، وتتحول المرأة المحجبة إلى الهدف الأبرز لهذا الاستهداف”. ويتحدث شاب فرنسي مسلم عن تجربته، قائلاً: “مللت من نظرات الشك وبعض السلوكيات تجاهي في معاملاتي اليومية، فقررت الرحيل عن باريس إلى أرخبيل بولينيزيا الفرنسية”. ويصف حادثة تعرض لها في إحدى الجزر النائية، حيث اتهمه مرشد سياحي بأنه “مثل بن لادن” بناءً على ما شاهده على التلفزيون.

الإسلاموفوبيا في الأرقام

كشف تقرير أعدّه مسجد باريس الكبير بالتعاون مع معهد Ifop، أن 66% من المسلمين تعرضوا لسلوك عنصري خلال السنوات الخمس الماضية، وأن نصفهم يرى أن ديانتهم هي السبب الرئيسي في هذه التصرفات. ويتعرض المسلمون ذوو الأصول الأفريقية لتمييز أكبر، حيث تصل النسبة إلى أكثر من 80%. وتشمل مجالات التمييز التوظيف والسكن والمراقبة الأمنية.

باريس ليست أحادية اللون

رغم هذه الإحصاءات، برزت تجارب إيجابية تؤكد أن الواقع ليس أحادي الأبعاد. يقول سفيان شعيبي، تونسي يقيم في باريس: “لم أشعر أبدًا بتمييز مباشر، فزملائي في العمل يعاملونني باحترام”. وتظهر هذه الشهادات أن هناك جانبًا إيجابيًا في التعايش بين مختلف الثقافات في فرنسا.

خاتمة

بعد عشر سنوات على هجمات باريس، تظل الإسلاموفوبيا قضية ملحة في فرنسا. بينما يواجه المسلمون تحديات يومية، تبرز أيضًا قصص نجاح وتفاهم بين الثقافات. يبقى السؤال: كيف يمكن تحقيق توازن بين مكافحة الإرهاب واحترام حقوق الجميع، بما في ذلك الجالية المسلمة؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version