في أمسيةٍ ثقافيةٍ مؤثرة، أُعلنت نتائج الدورة الرابعة عشر من جوائز كتاب فلسطين، التي تُعدّ منصةً هامةً لتكريم الأعمال الأدبية والفكرية التي تتناول القضية الفلسطينية. هذا الحدث، الذي نظمته مؤسسة “ميدل إيست مونيتور” في لندن، سلط الضوء على مجموعة متنوعة من الإصدارات الجديدة باللغة الإنجليزية، والتي تقدم رؤى عميقة حول تاريخ فلسطين، ومعاناة شعبها، وتطلعاته نحو الحرية والعدالة. جوائز كتاب فلسطين ليست مجرد تكريم للكتّاب، بل هي أيضاً تأكيد على أهمية الحفاظ على الذاكرة الفلسطينية وتعزيز سرديتها في مواجهة محاولات طمسها.
تكريم الإبداع الفلسطيني: تفاصيل حفل توزيع الجوائز
شهد الحفل حضوراً لافتاً من الكتاب والباحثين والناشرين والناشطين المهتمين بالقضية الفلسطينية. وقد ألقى كل من مدير موقع “ميدل إيست مونيتور” الدكتور داود عبد الله والطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة كلمات مؤثرة، حيث تناول الدكتور عبد الله أهمية الجوائز في دعم الأدب الفلسطيني، بينما قدم الدكتور أبو ستة قراءة مؤلمة للوضع الإنساني في غزة، واصفاً الإبادة الإسرائيلية بأنها “مشروع بدائي” يعتمد على تدمير الحياة بكل أشكالها.
وقد تلقت اللجنة المنظمة للجائزة رقماً قياسياً من المشاركات هذا العام، حيث تجاوز عدد الكتب المتنافسة 80 عملاً في مختلف الفئات. هذا يدل على الاهتمام المتزايد بالقضية الفلسطينية على المستوى الأدبي والفكري العالمي، وعلى قدرة الكتّاب والباحثين على تقديم أعمال ذات جودة عالية وموضوعية.
الفائزون بـ جوائز كتاب فلسطين 2025: نظرة على الأعمال المتميزة
توزعت الجوائز على عدة فئات، مما يعكس التنوع في الإنتاج الأدبي المتعلق بفلسطين. إليكم أبرز الفائزين وأعمالهم:
فئة الأعمال الأكاديمية
حصد الدكتور ناصر أبو رحمة الجائزة عن كتابه “الزمن تحت الخرسانة.. فلسطين بين المخيم والمستعمرة”. هذا الكتاب يقدم تحليلاً تاريخياً واجتماعياً وسياسياً لفلسطين الحديثة، مع التركيز بشكل خاص على تجربة الفلسطينيين في المخيمات والمستوطنات، وتأثير الاحتلال على حياتهم اليومية وهويتهم الوطنية. يعتبر هذا العمل إضافة قيمة إلى المكتبة العربية والأجنبية، حيث يقدم منظوراً جديداً لفهم القضية الفلسطينية.
فئة الترجمة
ذهبت جائزة الترجمة إلى حازم جمجوم عن ترجمته لرواية “لا أحد يعرف زمرة دمه” لمايا أبو الحيات. هذه الرواية تستكشف بعمق أثر الاحتلال على البنية الاجتماعية الفلسطينية، وتطرح تساؤلات جوهرية حول الهوية والجذور والمسؤولية الشخصية في ظل الشتات. ترجمة جمجوم المتقنة ساهمت في إيصال هذه الرواية المؤثرة إلى جمهور أوسع.
الفئة الإبداعية
فاز يوسف الجمال بجائزة الفئة الإبداعية عن تحريره لكتاب “إذا كان لا بد لي من الموت”، الذي يجمع قصائد وملاحظات الشاعر والأكاديمي رفعت العرعير الأخيرة قبل اغتياله في غزة. هذا الكتاب يمثل شهادة حية على الإبداع الفلسطيني المقاوم، وعلى التضحيات التي قدمها المثقفون في سبيل الدفاع عن قضيتهم.
جائزة التاريخ الشفوي
حصد محمد طربوش جائزة التاريخ الشفوي عن كتابه “فلسطيني.. منفى مستحيل”. هذا الكتاب يجمع بين المذكرات الشخصية والتحليلات السياسية والاقتصادية للمصرفي الفلسطيني الراحل محمد طربوش، ويستعيد رحلته كفلسطيني عايش النكبة وتداعياتها. يعتبر هذا العمل وثيقة تاريخية مهمة، تسلط الضوء على جوانب مختلفة من التجربة الفلسطينية.
جائزة المذكرات والتأثير العالمي
برز كتاب سارة عزيزة “النصف الأجوف.. مذكرات عن الأجساد والحدود” في فئة المذكرات، حيث يتقاطع فيه ثلاث أجيال من الشتات الفلسطيني بين غزة والولايات المتحدة. أما جائزة التأثير العالمي لغزة، فقد ذهبت إلى المنظّر الهندي بانكاج ميشرا عن كتابه “العالم بعد غزة”، الذي يتناول التحولات الأخلاقية والسياسية التي كشفتها حرب غزة.
جوائز التيار المضاد وتكريم الإنجاز مدى الحياة
كما تم الإعلان عن جوائز كتاب فلسطين للتيار المضاد، والتي ذهبت إلى محمد الكرد عن كتابه “ضحايا مثاليون” وعمر العقاد عن “يوما ما سيكون الجميع دائما ضد هذا”. يقدم هذان الكتابان قراءة نقدية لظاهرة “الضحية النموذجية” والفشل الغربي في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية في غزة.
وتُوّج الحفل بتكريم البروفيسور وليد الخالدي بجائزة الإنجاز مدى الحياة، تقديراً لإسهاماته الطويلة في توثيق تاريخ القضية الفلسطينية ودعم مؤسسة الدراسات الفلسطينية. يعتبر الخالدي من أبرز المؤرخين الفلسطينيين، وقد قدم أعمالاً قيمة ساهمت في فهم أعمق للقضية الفلسطينية.
أهمية جوائز كتاب فلسطين في تعزيز السردية الفلسطينية
تعتبر جوائز كتاب فلسطين مبادرة هامة تساهم في تعزيز السردية الفلسطينية على المستوى العالمي. فهي لا تكرم الأعمال الأدبية والفكرية المتميزة فحسب، بل أيضاً تسلط الضوء على القضية الفلسطينية وتدعو إلى التفكير النقدي في تاريخها ومعاناتها وتطلعاتها. هذه الجوائز تلعب دوراً حيوياً في الحفاظ على الذاكرة الفلسطينية، ونقلها إلى الأجيال القادمة، وفي دعم الكتّاب والباحثين الذين يعملون على إثراء الأدب الفلسطيني والفكر العربي. إن استمرار هذه المبادرة يعزز من مكانة فلسطين الثقافية والأكاديمية، ويساهم في تحقيق العدالة والحرية لشعبها.
ختاماً، تبقى جوائز كتاب فلسطين منارةً للأدب والفكر، وشهادةً على صمود الإبداع الفلسطيني في وجه التحديات. ونتطلع إلى المزيد من الأعمال المتميزة التي ستساهم في إثراء هذه السردية وتعزيزها في المستقبل.


