في يوم الأحد، ودّعت فرنسا أيقونة من أيقوناتها، الممثلة والمناضلة في مجال حقوق الحيوان، بريجيت باردو. رحلت عن عالمنا عن عمر يناهز 91 عامًا بعد صراع مع المرض، تاركة وراءها إرثًا معقدًا ومتعدد الأوجه. لطالما كانت بريجيت باردو رمزًا للجمال والحرية، ثم تحولت إلى شخصية مثيرة للجدل بسبب آرائها السياسية المتطرفة. هذا المقال يستعرض حياة هذه النجمة الفرنسية، مسيرتها الفنية، نشاطها في الدفاع عن حقوق الحيوان، ومواقفها المثيرة للجدل.
فصول من حياة بريجيت باردو: من الأضواء إلى النشاط
ولدت بريجيت باردو عام 1934 في عائلة برجوازية، وبدأت رحلتها الفنية من خلال تعلم الرقص ثم عرض الأزياء. لكن نقطة التحول في حياتها كانت عندما دخلت عالم السينما في سن الثامنة عشرة، لتصبح بسرعة واحدة من أبرز نجمات السينما الفرنسية في القرن العشرين.
بداية الشهرة: “وخلق الله المرأة”
انطلقت مسيرة بريجيت باردو السينمائية بقوة عام 1956، من خلال فيلم “وخلق الله المرأة” (إيه ديو كريا لا فام) للمخرج روجيه فاديم. أثار هذا الفيلم ضجة كبيرة بسبب جرأته، وحقق لها شهرة عالمية فورية. هذا الفيلم لم يكن مجرد بداية لمسيرتها الفنية، بل كان بمثابة ولادة أسطورة بريجيت باردو، أيقونة الإغراء والجمال.
رمز للتحرر والمرأة المستقلة
لم تقتصر أفلامها على الإثارة والجمال، بل ساهمت في ترسيخ صورتها كرمز للتحرر الجنسي والمرأة التي تتحدى قيود المجتمع. فيلم “لو ميبري” للمخرج جان لوك غودار، على سبيل المثال، يعكس هذا الجانب من شخصيتها. أسلوبها المميز في اللباس، والذي تميز بالبساطة والجرأة، جذب إعجاب الكاتبة والمفكرة الفرنسية سيمون دو بوفوار، التي أشادت بها لكونها تجسد الحرية والاستقلالية.
الابتعاد عن الأضواء والتحول إلى ناشطة في مجال حقوق الحيوان
على الرغم من نجاحها السينمائي الذي شمل حوالي 28 فيلمًا، اختارت بريجيت باردو الابتعاد عن الأضواء في مراحل لاحقة من حياتها. هذا الابتعاد لم يكن انسحابًا، بل كان تحولًا نحو قضية تؤمن بها بشدة: الدفاع عن حقوق الحيوان.
تأسيس مؤسسة بريجيت باردو
في عام 1986، أسست بريجيت باردو مؤسستها الخاصة، وكرست جهودها لحماية الحيوانات المعرضة للخطر، بما في ذلك صغار الفقمة والخيل والأفيال الأفريقية. أطلقت العديد من الحملات ضد الذبح الشعائري ودعت إلى إغلاق المسالخ غير الإنسانية، مما جعلها شخصية بارزة في حركة الدفاع عن حقوق الحيوان. هذا التحول أظهر جانبًا آخر من شخصيتها، جانبًا يركز على التعاطف والرحمة بالحيوانات.
الجدل السياسي ومواقف مثيرة للجدل
مع تقدمها في العمر، بدأت بريجيت باردو في تبني مواقف سياسية مثيرة للجدل، مما أثار انتقادات واسعة.
علاقات مع اليمين المتطرف
تبنت وجهات نظر يمينية متطرفة، وجاهرت بعلاقاتها مع زعيمة حزب التجمع الوطني مارين لوبان، وكتبت رسائل دعم لها خلال الانتخابات الرئاسية الفرنسية. هذه العلاقات أثارت استياءً كبيرًا في الأوساط السياسية والإعلامية.
تصريحات عنصرية ومعادية للمهاجرين
أثارت تصريحاتها المثيرة للجدل حول الشذوذ الجنسي والمهاجرين، ولا سيما المسلمين، انتقادات واسعة وأدت إلى إدانات قضائية متعددة بتهمة التحريض على الكراهية العنصرية. نددت مرارًا بتدفق المهاجرين إلى فرنسا، وانتقدت ممارسة ذبح الأضاحي خلال عيد الأضحى، مما أثر سلبًا على صورتها العامة. وقد أدينت خمس مرات في المحاكم الفرنسية على خلفية هذه التصريحات.
إرث مزدوج: بين الفن والجدل
تركت بريجيت باردو إرثًا مزدوجًا. فمن جهة، لعبت دورًا هامًا في صناعة السينما وتغيير مفاهيم الجمال والحرية في المجتمع. ومن جهة أخرى، كرست السنوات الأخيرة من حياتها لحماية الحيوانات والدفاع عن قضايا الرفق بها، وانغمست في السياسة بشكل مثير للجدل. هذا الإرث المزدوج أثار انقسامًا واسعًا حولها، وأثر على صورتها العامة، التي باتت محل نقاش وانتقاد داخل فرنسا وخارجها.
في الختام، رحيل بريجيت باردو يمثل نهاية حقبة. ستبقى ذكراها محفورة في تاريخ السينما الفرنسية وفي قلوب محبيها، ولكن أيضًا كشخصية أثارت الجدل وأثارت تساؤلات حول العلاقة بين الفن والسياسة والأخلاق. يمكنك متابعة المزيد من الأخبار حول هذا الموضوع من خلال زيارة مواقع الأخبار الفرنسية.


