في المشهد التشكيلي السعودي، يقف ضياء عزيز ضياء، كمنارة لا تُقرأ أعماله بقدر ما تُستشعر، فهو ابن الكلمة واللون معا، ابن أبٍ أديب كبير غرس في وجدانه حسّ المعنى، وأمٍ تنفست رائحة الزيت والألوان. ومن بين هذا المزج العائلي وُلد 1947م، في مكة المكرمة، ليجد نفسه محاطاً بالكلمة واللحن والريشة، لكنه اختار اللوحة لتكون مسرحه ومسرّته.

في الستينيات، حين كان الوطن على موعد مع تحولات كبرى، برزت لوحة ضياء «تحرير العبيد»، كان هذا العمل بوابة عبور الفنان إلى فضاء الفن العالمي، وإعلاناً عن صوت تشكيلي خاص، لا يرضى بالاستنساخ ولا يستكين للتكرار.

ابتعاثه إلى أكاديمية الفنون الجميلة في روما 1967م، لم يكن هروباً من محليته، بل رحلة بحث عن حداثة تتسق مع جذوره. هناك حصد جوائز مرموقة، وعاد محمّلاً برؤية جديدة، فكانت جدة ساحته الأوسع التي احتضنت معارضه ومبادراته التعليمية والمؤسسية، فيما امتد أثره من باريس إلى بكين، كسفير بصري لوطن يتشكل بين الأصالة والانفتاح.

لكن ضياء لم يكتفِ باللوحة. لقد وسّع حدود الفن ليغدو جزءاً من الفضاء العام، مجسداً إبداعه في معالم شاخصة، من بوابة مكة التي لم تعد مجرد مدخل جغرافي بل صارت رمزاً عالمياً يختزن البعد الحضاري للسعودية، إلى مجسم «حلم الإنسان» أمام مبنى الخطوط السعودية، وصولاً إلى أعماله في مكسيكو سيتي التي جعلت الفن لغة عابرة للحدود.

تكريماته وجوائزه ليست سوى صدى لمسيرة تشي بحضوره العميق، من جائزة المفتاحة إلى تكريم الغرفة التجارية بجدة، ومن لجان التحكيم إلى قاعات المعارض، ظلّ ضياء مرجعاً وملهماً لأجيال نهلت من تجربته.

إن ضياء عزيز ضياء، ليس مجرد فنان تشكيلي، إنه شاهد بصري على تحولات المجتمع السعودي منذ ستينيات القرن الماضي. في أعماله يلتقي الضوء بالظل، والذاكرة بالحلم، والواقع بالخيال، ليترك لنا إرثاً يؤكد أن الفن التشكيلي في جوهره لغة حب وانتماء، وأن اللون قد يتحول إلى جسر يصل مكة بالعالم.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version