صدر حديثًا ديوان الشعر “ناشئة الشوق” للشاعر الليبي محمد فتح الله، عن دار الوليد للنشر، ليُضيء سماء الشعر العربي بصوت جديد يمزج بين الأصالة والمعاصرة. هذا الديوان، الذي يمثل إضافة نوعية إلى الشعر الليبي المعاصر، يستكشف بعمق تجربة الشوق والحنين والغياب، ويقدمها في صياغة فنية راقية. صدر الديوان في 28 ديسمبر 2025، ويحمل في طياته وعيًا لغويًا وتجريبيًا يجعله محط اهتمام النقاد والقراء على حد سواء.

“ناشئة الشوق”: رحلة في أعماق الوجدان الإنساني

يقع الديوان في حوالي خمسين قصيدة، تتسم بتنوعها الثيماتية وتماسكها الفني. لا يقتصر الشاعر على وصف مشاعر الشوق والحنين كعواطف عابرة، بل يتعمق في تحليلها كحالات إنسانية مركبة، تتداخل فيها الذاكرة الفردية مع أسئلة الوطن والزمن والهوية. يُعد الشوق هنا مفهومًا مركزيًا، يتحول من إحساس شخصي إلى رؤية شعرية شاملة، تعكس تجربة إنسانية عالمية.

بنية شعرية تجمع بين التراث والحداثة

يعتمد محمد فتح الله في “ناشئة الشوق” على بنية شعرية متينة الجذور في الإيقاع العربي الموروث، مع انفتاح مدروس على التعبير المعاصر. هذا التوازن الدقيق بين الأصالة والمعاصرة يمنح القصيدة قوة وجدانية وانضباطًا فنيًا يميزها عن الانفعال المباشر. فالشاعر لا يسعى إلى الإدهاش اللغوي، بل يركز على الصدق الشعوري والتماسك البنيوي، مما يجعل الديوان الشعري أداة للقبض على المعنى لا للهروب منه.

الوطن والذات في مرآة الشعر

لا يغفل الشاعر عن الهمّ الوطني، لكنه لا يجعله شعارًا أو خطابًا مباشرًا، بل يطلّ الوطن من خلفية النص كأثر نفسي عميق يسكن اللغة ويعيد تشكيلها. كما يتناول الشاعر تجربة الذات، متأرجحًا بين الحنين والتصالح، وبين الفقد والرغبة في الاستمرار. في العديد من القصائد، يتحول الشاعر إلى راوٍ داخلي لسيرته الوجدانية، يقدمها بصدق وعفوية.

تقييمات نقدية: “ناشئة الشوق” صوت شعري واعد

حظي ديوان “ناشئة الشوق” بتقدير كبير من النقاد والشعراء. كتب الشاعر الأردني حسين جلعاد كلمة تقديمية للديوان، أشاد فيها بجوهر التجربة، معتبرًا أن الديوان ليس مجرد مجموعة قصائد عاطفية، بل هو “مشروع وجدان” ينهض على وعي باللغة وبالتجربة الإنسانية. وأشار جلعاد إلى أن الشوق في هذا الديوان يتحول من حالة نفسية إلى بنية فكرية تنظم القصيدة وتوجه رؤيتها.

“الوجدان المصفّى” واللغة المنضبطة

يرى جلعاد أن “ناشئة الشوق” ينتمي إلى ما يمكن تسميته “الوجدان المصفّى”، حيث لا يُستثمر الحنين بوصفه حنينًا سهلاً أو نوستالجيا مستهلكة، بل يُعاد إنتاجه داخل لغة منضبطة، توازن بين التراث الإيقاعي العربي وحساسية الشاعر المعاصر. كما لفت إلى أن محمد فتح الله يكتب من منطقة وسطى نادرة، حيث لا تنفصل القصيدة عن الإنسان، ولا تتحول اللغة إلى استعراض، بل تبقى أداة كشف وبحث عن المعنى. هذا التوجه يجعله من أبرز الأصوات في الأدب العربي الحديث.

الحسّ الكلاسيكي الجديد في الشعر

يؤكد جلعاد أن الديوان يمثل تجربة شعرية تنتمي إلى “الحسّ الكلاسيكي الجديد” في الشعر العربي، حيث يتجاور صفاء اللغة مع نبرة التأمل والاعتراف. يتميز الديوان بلغة قوية ومكثفة تستخدم الأوزان والقوافي ببراعة لتعميق الإحساس بالأسى العميق الذي يسيطر على التجربة. هذا الاستخدام المتقن للغة الشعرية يساهم في خلق جو من التأمل والخشوع.

“ناشئة الشوق”: إضافة نوعية للمكتبة الشعرية الليبية

يأتي صدور “ناشئة الشوق” في سياق ثقافي يشهد عودة ملحوظة للاهتمام بالشعر العمودي والتجارب التي تعيد الاعتبار للغة بوصفها حاملة للمعنى والذاكرة. في هذا الإطار، يقدم محمد فتح الله عملاً يُحسب على مسار الشعر الوجداني الرصين، القادر على مخاطبة القارئ دون افتعال، وعلى الجمع بين الحساسية الفردية والهمّ الإنساني العام. يُعد هذا الديوان إضافة لافتة إلى المكتبة الشعرية الليبية، ومن المتوقع أن يحظى باهتمام واسع في الأوساط الثقافية. إنه عمل يستحق القراءة والتأمل، ويثبت أن الشعر العربي لا يزال قادرًا على التعبير عن أعمق المشاعر والأفكار.

ختامًا، “ناشئة الشوق” ليس مجرد ديوان شعر، بل هو دعوة للتأمل في الذات والوطن والزمن، ورحلة في أعماق الوجدان الإنساني. ندعوكم لقراءة هذا الديوان واستكشاف عالمه الشعري الغني والمتنوع.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version