في ظل التحديات الجيوسياسية المتزايدة والهمسات حول احتمالية حدوث فقاعات في بعض القطاعات، يثير مشهد وول ستريت الحالي دهشة المراقبين. فبينما يسود الحذر، تتجه التوقعات نحو استمرار صعود الأسهم الأمريكية خلال عام 2026، وهو أمر نادر الحدوث بعد ثلاث سنوات متتالية من المكاسب القوية. هذا التحول في النظرة قد يعكس استسلام المحللين لقوة السوق، أو ربما إعادة تقييم شاملة للعوامل الاقتصادية المؤثرة.

إجماع غير مسبوق على استمرار صعود الأسهم الأمريكية

أظهر مسح أجرته بلومبيرغ أن جميع الإستراتيجيين البالغ عددهم 21 من شركات الوساطة الأمريكية يتفقون على توقع واحد: ارتفاع أسعار الأسهم خلال عام 2026. ويتماشى هذا الإجماع مع بيانات بلومبيرغ التي تشير إلى أن متوسط التوقعات يضع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” على مسار نحو ارتفاع بنسبة 9% إضافية بحلول نهاية العام القادم.

الأكثر إثارة للدهشة هو عدم وجود أي توقعات بانخفاض سنوي، مما يضع السوق على أعتاب أطول فترة صعود لها منذ ما قبل الأزمة المالية العالمية. هذا السيناريو يدعو إلى التساؤل: هل هذا التفاؤل مبرر، أم أن السوق تتجاهل مؤشرات الخطر؟

أسباب التفاؤل: قوة الاقتصاد والأرباح

يعود هذا الإجماع المتفائل إلى عدة عوامل رئيسية. أولًا، الأداء القوي للاقتصاد الأمريكي، الذي سجل في الربع الثالث من العام معدل نمو هو الأعلى له منذ عامين. ثانيًا، توقعات بتحقيق الشركات الأمريكية نموًا ملحوظًا في الأرباح، يتجاوز حتى الرقمين. ويعزو المحللون هذا النمو إلى عوامل متعددة، بما في ذلك التطورات التكنولوجية وزيادة الإنفاق الاستهلاكي.

كما يرى مانيش كابرا، رئيس استراتيجية الأسهم الأمريكية في “سوسيتيه جنرال”، أن “آفاق الأرباح قوية ولم تعد محصورة بقطاع التكنولوجيا”. هذا يعني أن النمو الاقتصادي يسير على نطاق واسع، وليس مدفوعًا فقط بقطاع واحد، مما يعزز الاستقرار والثقة في السوق. بالإضافة إلى ذلك، ساهم خفض أسعار الفائدة المحتمل من قبل الاحتياطي الفدرالي، جنبًا إلى جنب مع سياسات الرئيس ترامب الضريبية، في خلق بيئة اقتصادية كلية مواتية.

المخاوف والتحديات التي لا يمكن تجاهلها

على الرغم من الإجماع على توقع ارتفاع الأسهم، إلا أن قائمة المخاوف لا تزال طويلة. يشمل ذلك المخاوف المحيطة بفقاعة الذكاء الاصطناعي، حيث ارتفعت أسهم شركات الذكاء الاصطناعي بشكل كبير، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه المكاسب مستدامة.

بالإضافة إلى ذلك يظل مسار أسعار الفائدة غير واضح، وأي تغيير حاد في السياسة النقدية قد يؤثر سلبًا على السوق. لا يمكن أيضًا إغفال تأثير السياسات المحتملة للرئيس ترامب في ولايته الثانية، والتي قد تؤدي إلى تقلبات جديدة في السوق.

دروس الماضي والتغير في سلوك المحللين

يعتقد بعض المراقبين أن هذا التفاؤل المفرط قد يكون ناتجًا عن تجربة المحللين المريرة خلال السنوات الثلاث الماضية. فقد فشل الكثيرون في توقع قوة السوق وصمودها أمام التحديات، مما دفعهم إلى إعادة النظر في أدواتهم وأساليبهم. يقول إد يارديني، وهو إستراتيجي مخضرم في وول ستريت، إن السوق “سحقت المتشائمين لدرجة أن الجميع بات متعبا من هذا الخطاب”.

وفي حين يتوقع يارديني أن ينهي المؤشر عام 2026 عند مستوى 7700 نقطة، إلا أنه يعترف بأن غياب الأصوات المعارضة أمر “مقلق بحد ذاته”. هذا يشير إلى أن المحللين قد يكونون أكثر حذرًا في التعبير عن وجهات نظرهم السلبية خوفًا من تكرار أخطاء الماضي.

سيناريو تاريخي: هل نشهد تكرارًا لفقاعة الإنترنت؟

إذا تحقق هذا الإجماع، فسيكون عام 2026 هو العام الرابع على التوالي الذي يشهد فيه السوق الأمريكية عوائد مزدوجة. هذه السلسلة من المكاسب ستكون الأطول منذ فترة ما قبل الأزمة المالية العالمية. بل إنها ستتجاوز حتى أداء السوق خلال فقاعة الإنترنت في تسعينيات القرن الماضي، حيث لم يشهد السوق أكثر من ثلاث سنوات متتالية من العوائد المزدوجة.

ومع ذلك، يحذر التاريخ من الإفراط في الثقة. فقد شهدت فقاعة الإنترنت انهيارًا مدويًا أعقب فترة طويلة من المكاسب غير المبررة. لكن يبدو أن إستراتيجيي وول ستريت قد تعلموا درسًا مهمًا: وهي عدم الاستهانة بقدرة السوق الأمريكية على تحدي التوقعات، حتى في أكثر الأوقات تعقيدًا واضطرابًا. الاستثمار في الأسهم الأمريكية لا يزال خيارًا جذابًا للكثيرين، ولكنه يتطلب دراسة متأنية للمخاطر المحتملة.

ختامًا، تشير التوقعات الحالية إلى استمرار صعود سوق الأسهم خلال عام 2026، مدفوعة بقوة الاقتصاد وارتفاع الأرباح. ومع ذلك، يجب على المستثمرين أن يكونوا على دراية بالمخاطر الكامنة، وأن يراقبوا عن كثب التطورات الجيوسياسية والسياسات الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، تحليل أداء السوق وتقييم المخاطر هو أمر بالغ الأهمية قبل اتخاذ أي قرار استثماري. تابعوا آخر التحديثات والنصائح لتحديد أفضل الاستراتيجيات الاستثمارية في هذا السوق الديناميكي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version