في خضم الاستعدادات لانتخابات مصيرية، يواجه الرئيس السابق دونالد ترامب تحديًا اقتصاديًا متزايدًا، حيث يلقي الأمريكيون باللوم عليه بشكل متزايد في تدهور قدرتهم الشرائية. وبينما ينطلق في جولة انتخابية للترويج لأجندته الاقتصادية، تظهر بيانات اقتصادية مقلقة تشير إلى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتراجع الأجور الحقيقية لشرائح الدخل المنخفض. هذا المقال يستعرض بالتفصيل الوضع الاقتصادي الحالي في الولايات المتحدة، والانتقادات الموجهة لسياسات ترامب، والآثار المحتملة على الانتخابات القادمة.
تدهور القدرة الشرائية وتصاعد الغضب الشعبي
تشير التقارير الاقتصادية الأخيرة إلى أن الاقتصاد الأمريكي يشهد حالة من “التقلب”، حيث يضعف سوق العمل في الوقت الذي تستمر فيه الأسعار في الارتفاع. هذا التناقض يؤدي إلى تآكل الأجور الحقيقية، خاصة بالنسبة لأصحاب الدخول المنخفضة، مما يزيد من الضغط على ميزانيات الأسر. العديد من العائلات الأمريكية تجد صعوبة متزايدة في تغطية نفقاتها الأساسية، مثل الغذاء والإسكان والرعاية الصحية، وهو ما يثير استياءً شعبيًا واسعًا.
تحليل بيانات الأجور: اتساع الفجوة بين الطبقات
أظهر تحليل أجراه بنك الاحتياطي الفدرالي في أتلانتا أن أجور أصحاب الدخول الأدنى في الولايات المتحدة تراجعت بشكل حاد مقارنة بأجور أصحاب الدخول الأعلى بعد سنوات من النمو المتجاوز للمعدلات. هذا التراجع يمحو الكثير من التقدم الذي تحقق خلال العقد الماضي في سد الفجوة بين الطبقات. الاقتصاديون يؤكدون أن هذا الاتجاه يعكس هشاشة سوق العمل، وأن أصحاب الدخول المنخفضة هم الأكثر تضررًا من التباطؤ الاقتصادي.
تأثير التضخم على الأسر ذات الدخل المحدود
على الرغم من انخفاض معدل التضخم عما كان عليه بعد الجائحة، إلا أن الأثر التراكمي لارتفاع الأسعار لا يزال يثقل كاهل الأسر ذات الدخل المحدود. العديد من هذه الأسر لم يتمكنوا من استعادة قوتهم الشرائية، ويستمرون في الشعور بالضيق المالي. هذا الوضع يفاقم من حدة التفاوت الاقتصادي، ويزيد من خطر الانزلاق إلى الفقر.
سياسات ترامب الاقتصادية تحت المجهر
كانت إدارة ترامب تروج في السابق لقوتها الاقتصادية كأحد أهم إنجازاتها، ولكن الفجوة المتسعة بين مرتفعي ومنخفضي الأجور تهدد الآن آفاق الجمهوريين في الانتخابات القادمة. الناخبون يراقبون عن كثب أداء الاقتصاد، ويقارنونه بالوعود التي قطعها ترامب خلال حملته الانتخابية.
الرئيس السابق يلقي اليوم كلمة في ولاية بنسلفانيا، وهي ولاية حاسمة فاز بها في عام 2024، ومن المتوقع أن يرد على الانتقادات الموجهة إليه بأن سياساته الاقتصادية لم تقدم ما يكفي لمساعدة الأمريكيين العاديين. وقد طرح ترامب بالفعل بعض المقترحات الجديدة، مثل “أرباح” ممولة من الرسوم الجمرائية لا تقل عن ألفي دولار للفرد، وإعادة توجيه دعم الرعاية الصحية إلى حسابات التوفير.
ارتفاع معدل البطالة بين الأقليات
تظهر البيانات أن معدل البطالة بين العمال من أصل إسباني ارتفع إلى أعلى مستوى له خلال العام عند 5.5% في سبتمبر، مقارنة بـ 4.4% لإجمالي الأمريكيين. هذا الارتفاع يثير قلقًا خاصًا، نظرًا لأن دعم هذه الفئة لترامب كان متأرجحًا في الانتخابات السابقة. العديد من المحللين يرون أن ارتفاع معدل البطالة بين الأقليات قد يؤدي إلى انخفاض الإقبال على التصويت لصالح ترامب في الانتخابات القادمة.
تراجع ثقة المستهلك وتأثيره على الاقتصاد
يسلط أحدث استطلاع رأي أجرته جامعة ميشيغان الضوء على تراجع ثقة المستهلك، خاصة بين أولئك الذين لا يملكون أسهمًا. فقد انخفضت ثقة هذه الفئة إلى مستويات أقل مما كانت عليه في “ذروة التضخم بعد الجائحة” في منتصف عام 2022. في المقابل، شهد حاملو الأسهم ارتفاعًا ملحوظًا في ثقتهم، خاصة أولئك الذين يمتلكون أعلى 20% من الأسهم.
هذا التباين في الثقة يعكس التفاوت المتزايد في توزيع الثروة، ويؤثر سلبًا على الإنفاق الاستهلاكي، وهو المحرك الرئيسي للاقتصاد الأمريكي. كما أن تراجع ثقة المستهلك يؤثر على قرارات الشركات الاستثمارية، مما قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي.
المخاطر السياسية المحدقة بالجمهوريين
الاستياء العام من أسلوب تعامل الحكومة مع الاقتصاد بلغ مستويات قياسية، مما يبرز المخاطر السياسية التي يواجهها الجمهوريون في محاولتهم الحفاظ على سيطرتهم على مجلسي الكونغرس. الناخبون يبحثون عن قادة قادرين على معالجة المشاكل الاقتصادية التي تواجههم، وتقديم حلول ملموسة لتحسين مستوى معيشتهم.
مشروع القانون “الكبير والجميل” وتأثيره المحتمل
من المرجح أن يركز الحزب الجمهوري في حملته الانتخابية على مشروع قانونه “الكبير والجميل” الذي أقر في يوليو، والذي من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في عام 2026. بينما يحتفظ مشروع القانون بالتخفيضات الضريبية التي كشف عنها ترامب خلال ولايته الأولى، فإنه يفرض أيضًا تخفيضات على برنامجي “ميديكيد” و”قسائم الطعام”.
تشير التقديرات إلى أن مشروع القانون قد يخفض موارد الأسر في أدنى عشر توزيع للدخل بمقدار 1600 دولار سنويًا، بينما يزيد من دخل شريحة الـ10% الأعلى بمقدار 12 ألف دولار. هذا التفاوت في التأثير يثير انتقادات واسعة، ويؤكد المخاوف بشأن أن سياسات ترامب تفضل الأغنياء على حساب الفقراء.
في الختام، يواجه دونالد ترامب تحديًا كبيرًا في إقناع الناخبين بأن سياساته الاقتصادية قادرة على تحسين حياتهم. البيانات الاقتصادية المقلقة، وتصاعد الغضب الشعبي، وتراجع ثقة المستهلك، كلها عوامل تشير إلى أن الاقتصاد قد يكون نقطة ضعف رئيسية في حملته الانتخابية. سيكون على ترامب أن يقدم رؤية مقنعة لمعالجة المشاكل الاقتصادية التي تواجه الأمريكيين، وإلا فإنه قد يخسر الدعم الشعبي الذي يحتاجه للفوز في الانتخابات. هل سيتمكن من قلب الطاولة؟ الأيام القادمة ستكشف ذلك.



