الصومال، بلد يتربع على سواحل المحيط الهندي، يخطو خطوات جريئة نحو استقطاب السياحة، مستندًا إلى كنوزه الطبيعية من مياه فيروزية وشواطئ رملية ذهبية. ورغم التحديات الأمنية التي لا تزال قائمة خارج العاصمة مقديشو، إلا أن هناك إقبالًا متزايدًا من المغامرين والباحثين عن تجارب فريدة، مما يعكس تحولًا ملحوظًا في صورة هذا البلد الأفريقي.
جهود الصومال لاستعادة مكانته السياحية
منذ نهاية عام 2023، شهد الجيش الصومالي تقدمًا ملحوظًا في استعادة السيطرة على حوالي 200 مدينة وقرية، مما ساهم في تحسين الوضع الأمني بشكل عام. وتؤكد السلطات أن الهجمات في العاصمة مقديشو انخفضت بنسبة 86% بفضل الإجراءات الأمنية المشددة، مثل كاميرات المراقبة والحواجز الأمنية والشرطة السرية.
هذه التطورات الأمنية دفعت الحكومة الصومالية إلى إطلاق مبادرات طموحة لتطوير قطاع السياحة، الذي يوظف حاليًا حوالي 30 ألف شخص. وتشمل هذه المبادرات إصلاح الطرق وتحديث البنية التحتية، بالإضافة إلى إطلاق نظام تأشيرات دخول إلكتروني، على الرغم من تعرضه مؤخرًا للاختراق، مما أثار بعض المخاوف.
تجارب سياحية فريدة في قلب الصومال
شيريل، سائحة أمريكية، اختارت الصومال وجهة لها، متحدية الصورة النمطية السلبية التي تسيطر على أذهان الكثيرين. تقول شيريل: “لم أكشف لعائلتي صراحة إلى أين أنا ذاهبة، لكن.. منذ لحظة نزولي من الطائرة، شعرت بارتياح تام. الوضع ليس إطلاقا كما تسمعون”.
وتؤكد شيريل أن التجربة كانت مدهشة، حيث تجولت بحرية في مقديشو برفقة حارس مسلح، ووجدت السكان المحليين لطفاء ومرحبين. هذه التجربة تعكس ما يراه علي حسن، مؤسس وكالة السفر “فيزيت مقديشو”، وهو أن معظم الأجانب يترددون في زيارة الصومال بسبب التنبيهات الإعلامية الغربية والأوروبية.
التحديات الأمنية وقيود السفر
على الرغم من التحسن الأمني، لا يزال الوضع في الصومال يتسم بالهشاشة. فخلال الأشهر الستة الماضية، شهدت مقديشو محاولة اعتداء على الموكب الرئاسي وإطلاق قذيفة قرب المطار وهجومًا على مركز اعتقال.
وتحذر العديد من الدول الغربية رعاياها من السفر إلى الصومال، حيث تعتبر المملكة المتحدة أن الخطر مرتفع بالتعرض للخطف، بينما توصي الولايات المتحدة بعدم السفر إلى البلاد على الإطلاق. هذه التحذيرات تؤثر سلبًا على حركة السياحة، وتجعل من الصعب جذب المزيد من الزوار.
تكلفة السياحة في الصومال
تعتبر السياحة في الصومال باهظة الثمن نسبيًا، حيث تتقاضى وكالة “فيزيت مقديشو” حوالي 500 دولار في اليوم للزائر الواحد، شاملة التأشيرة والفندق والوجبات والمرافقة المسلحة. هذه التكلفة العالية قد تكون عائقًا أمام الكثير من السياح، خاصة أولئك الذين يبحثون عن وجهات سياحية اقتصادية.
مستقبل السياحة في الصومال
يرى وزير السياحة الصومالي، داود أويس جامع، أن السياحة هي مفتاح تغيير صورة الصومال وتحقيق الاستقرار. ويقول جامع: “السياحة في كل أنحاء العالم رديفة للاستقرار. السياحة ستغير صورة الصومال”.
وفي عام 2023، زار الصومال حوالي 10 آلاف سائح أجنبي، معظمهم من الصين والولايات المتحدة وتركيا. وتأمل الحكومة الصومالية في مضاعفة هذا العدد في العام الحالي.
البريطاني أنتوني ميدلتون، الذي دفع حوالي 1500 دولار لقضاء ليلتين في مقديشو، يؤكد أن الصومال “بلد خطير حتى لو أن الوضع يتحسن”، لكنه يرى أن هناك “فرقًا بين مكان خطير ومكان معادٍ”. هذه الرؤية تعكس التحدي الذي يواجهه الصومال في جذب السياح، وهو إقناعهم بأن البلاد ليست مجرد مكان خطر، بل هي وجهة سياحية فريدة ومثيرة للاهتمام.
الاستثمار في البنية التحتية والترويج السياحي
لتحقيق أهدافها السياحية، تحتاج الصومال إلى الاستثمار بشكل أكبر في البنية التحتية، مثل الفنادق والمطارات والطرق. كما تحتاج إلى تطوير استراتيجيات فعالة للترويج السياحي، وتسليط الضوء على المقومات الطبيعية والثقافية التي تتمتع بها البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة الصومالية العمل على تحسين الأمن والاستقرار، وتوفير بيئة آمنة ومريحة للسياح. هذا يتطلب التعاون مع المجتمع الدولي، وتبني سياسات شاملة لمكافحة الإرهاب والجريمة.
في الختام، يمثل تطوير قطاع السياحة في الصومال فرصة واعدة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومع بذل الجهود اللازمة، يمكن للصومال أن يصبح وجهة سياحية جذابة، وأن يستعيد مكانته كجوهرة مخفية على الساحل الأفريقي. للمزيد من المعلومات حول السفر إلى الصومال، يمكنكم زيارة المواقع الرسمية لوزارة السياحة الصومالية ووكالات السفر المتخصصة.


