إلغاء قانون قيصر: بارقة أمل للاقتصاد السوري أم مجرد بداية؟

مع إقرار مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون موازنة الدفاع الوطني للسنة المالية 2026 الذي يتضمن بندًا يلغي قانون قيصر، تتجه الأنظار نحو سوريا، متسائلةً عن الأثر المتوقع لهذا القرار على الوضع الاقتصادي المتردي. يُعد هذا الإجراء خطوة مفصلية، وإن كانت مفاجئة، قد تفتح آفاقًا جديدة للتعافي الاقتصادي، ولكنها في الوقت ذاته لا تمثل حلًا سحريًا. فهل يمثل إلغاء قانون قيصر حقًا نقطة تحول حقيقية أم مجرد بداية طريق طويل نحو الاستقرار؟ هذا ما سنحاول استكشافه في هذا المقال، مع التركيز على ردود الفعل الرسمية وتوقعات الخبراء، بالإضافة إلى التحديات التي لا تزال قائمة أمام الاقتصاد السوري.

قانون قيصر: نظرة تاريخية وتأثيره المدمر

تم فرض قانون قيصر، المعروف رسميًا باسم قانون محاسبة سوريا ومكافحة انتشارها، في عام 2019. يهدف القانون إلى معاقبة النظام السوري على جرائمه وانتهاكات حقوق الإنسان خلال الحرب الأهلية. تسبب القانون في فرض عقوبات اقتصادية ومالية واسعة النطاق، طالت العديد من القطاعات والشخصيات المرتبطة بالحكومة السورية.

لقد أثر هذا القانون بشكل كبير على الاقتصاد السوري، مما أدى إلى:

  • انخفاض حاد في قيمة الليرة السورية.
  • صعوبة الوصول إلى التمويل الخارجي.
  • تراجع الاستثمارات الأجنبية.
  • ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
  • تدهور مستوى المعيشة بشكل عام.

وبالتالي، أُصبح قانون قيصر أحد أبرز العوائق أمام أي محاولة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في سوريا.

ردود الفعل الرسمية: تفاؤل حذر

رحبت الحكومة السورية بقرار مجلس النواب الأمريكي. وصرح حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، بأن إلغاء قانون قيصر يمثل “محطة مفصلية ستنعكس إيجابًا على الاستقرارين النقدي والاقتصادي في سوريا”. وأضاف أن هذا الإجراء سيساهم في توسيع حركة التحويلات المالية، وزيادة انسيابية التجارة، واستعادة الثقة بالقطاع المصرفي السوري.

كما أكد حصرية على أن المصرف المركزي سيواصل جهوده لاستثمار هذه الفرصة في دعم سعر الصرف وتسريع وتيرة التعافي الاقتصادي. إلا أنه شدد في الوقت ذاته على أن إلغاء القانون “لن يصنع المعجزات”، وأن العمل الجاد والتعاون بين جميع الأطراف ضروريان لتحقيق الاستقرار والازدهار. ويرى أن المعجزة الحقيقية تكمن في الاستفادة من هذه الخطوة في بناء مؤسسات الدولة وتعزيز الاستقرار الاجتماعي.

وفي سياق منفصل، ذكر الحصرية أن إنهاء العمل بـ قانون قيصر سيكون بمثابة المحطة الأخيرة والأهم لدمج سوريا في النظام المصرفي العالمي، مشيرًا إلى أن الحكومة السورية وضعت خططًا تفصيلية لتطوير النظام المالي والمصرفي بمجرد رفع العقوبات، وأن المصرف المركزي تلقى تدريبات مبدئية من وزارة الخزانة الأمريكية وناقش الخطوات المستقبلية مع بنوك كبرى.

توقعات الخبراء: انفتاح تدريجي

تشارك الخبراء الاقتصاديون الحكومة السورية في تفاؤلها الحذر. ويرون أن إلغاء قانون قيصر سيفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الانفتاح الاقتصادي وجذب الاستثمارات، خاصة في القطاعات الحيوية. وبحسب وكالة الأنباء السورية (سانا)، يتوقع الخبراء أن تظهر نتائج هذا الإلغاء تدريجيًا مع تحسن بيئة الأعمال وعودة قنوات التمويل الخارجي.

وتركز التوقعات على انخفاض محتمل في أسعار السلع الأساسية وتحسن في سعر صرف الليرة السورية خلال الأسابيع القليلة القادمة، مما سينعكس إيجابًا على النشاط التجاري في الأسواق السورية. ولكن، يشددون على أن التعافي الكامل يتطلب معالجة العديد من التحديات الأخرى، مثل:

  • إعادة إعمار البنية التحتية المتضررة.
  • توفير فرص عمل جديدة.
  • مكافحة الفساد.
  • تحسين مناخ الاستثمار.
  • الاستقرار السياسي و الأمني.

بالإضافة إلى ذلك، يجب الأخذ في الاعتبار أن إلغاء قانون قيصر لا يزال بحاجة إلى موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي وتوقيع الرئيس دونالد ترامب ليصبح نافذًا.

مستقبل الاقتصاد السوري: بين التحديات والفرص

على الرغم من أن إلغاء قانون قيصر يمثل تطورًا إيجابيًا، إلا أن الطريق أمام الاقتصاد السوري لا يزال مليئًا بالتحديات. فقد تسببت سنوات الحرب والصراعات في دمار هائل في البنية التحتية وتدهور في القدرة الإنتاجية. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال سوريا تواجه العديد من المشاكل السياسية والأمنية التي تعيق عملية التعافي الاقتصادي.

ومع ذلك، فإن إلغاء العقوبات يوفر فرصة حقيقية لإعادة إحياء الاقتصاد السوري. من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية، واستعادة قنوات التمويل الخارجي، وتطوير القطاعات الاقتصادية الحيوية، يمكن لسوريا أن تبدأ في بناء مستقبل أكثر ازدهارًا. ولكن هذا يتطلب جهودًا متواصلة من الحكومة السورية، بالإضافة إلى دعم من المجتمع الدولي.

إن نجاح هذه العملية يعتمد بشكل كبير على قدرة سوريا على استغلال هذه الفرصة بشكل فعال، والتركيز على الإصلاحات الاقتصادية، والعمل على تحقيق الاستقرار السياسي والأمني. فهل ستتمكن سوريا من تحويل هذا التطور الإيجابي إلى واقع ملموس؟ الأيام القادمة ستكشف عن ذلك.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version