في خطوة بارزة تعكس الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة، أقر مجلس النواب الأمريكي موازنة الدفاع الوطني بقيمة 901 مليار دولار للعام المقبل. هذا التشريع الضخم، الذي من المتوقع أن يحظى بموافقة مجلس الشيوخ وتوقيع الرئيس ترامب، لا يقتصر على تحديد الإنفاق العسكري فحسب، بل يتضمن أيضًا قرارات سياسية واقتصادية مؤثرة، بما في ذلك إلغاء قانون قيصر المتعلق بالعقوبات على سوريا. يمثل هذا القانون، الذي يمر عبر الكونغرس منذ عام 1961، تقليدًا سنويًا يجمع بين الإنفاق الدفاعي وقضايا الأمن القومي الأخرى.
تفاصيل موازنة الدفاع الوطني للعام 2026
تتوزع ميزانية الدفاع الجديدة على عدة مجالات رئيسية، بهدف تعزيز القدرات العسكرية الأمريكية والاستعداد لمواجهة التحديات المتزايدة في مختلف أنحاء العالم. تشمل أبرز بنود الإنفاق ما يلي:
- 291 مليار دولار للعمليات والصيانة.
- 234 مليار دولار لمرتبات العسكريين وبرامج الرعاية الصحية، مع زيادة في الرواتب بنسبة 3.8% لجميع العسكريين.
- 162 مليار دولار للمشتريات العسكرية.
- 146 مليار دولار للبحث والتطوير في المجالات الدفاعية.
- 54 مليار دولار للبناء العسكري والبرامج النووية.
هذه الأرقام تعكس التزامًا قويًا بالحفاظ على التفوق العسكري الأمريكي وتحديث الترسانة الدفاعية لمواكبة التطورات التكنولوجية.
إلغاء قانون قيصر وتأثيره على سوريا
أحد أبرز جوانب موازنة الدفاع الوطني هو إلغاء قانون قيصر، الذي فرض عقوبات اقتصادية صارمة على سوريا منذ عام 2019. يرى خبراء الشأن السوري أن هذا الإلغاء قد يفتح الباب أمام تحسين الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في البلاد.
وجهات النظر حول إلغاء العقوبات
صرح جوشوا لانديس، خبير الشأن السوري، أن “الوقت قد حان لإلغاء قانون قيصر، وأن تنشيط اقتصاد دمشق سيكون جيدًا لجميع السوريين وقد يخفف شيئًا من الغضب الطائفي”. ومع ذلك، يشترط التشريع على الرئيس الأمريكي تقديم تقارير دورية إلى الكونغرس تثبت أن سوريا تتخذ خطوات ملموسة للقضاء على الإرهاب، واحترام حقوق الأقليات، وعدم التدخل في شؤون جيرانها، ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وإذا لم تتحقق هذه الشروط، يمكن إعادة فرض العقوبات.
إعادة تقييم التفويضات العسكرية القديمة
يتضمن القانون أيضًا إلغاء المبررات القانونية التي استخدمت لمهاجمة العراق في عامي 1991 و2003، وتحديدًا تفويض عام 2002 الذي سمح للرئيس السابق جورج بوش بغزو العراق. يعتبر العديد من المشرعين أن هذه التفويضات قد عفا عليها الزمن وتشكل خطرًا على سلطة الكونغرس.
تعزيز التحالفات الاستراتيجية ومواجهة التحديات العالمية
تؤكد موازنة الدفاع الوطني على أهمية التحالفات الاستراتيجية للولايات المتحدة، وخاصة مع إسرائيل. يتضمن القانون بنودًا لتعزيز التعاون الدفاعي مع إسرائيل، والاستثمار في أنظمة الدفاع الصاروخي المتقدمة مثل “آرو-3″، وتمويل تقنيات الدفاع السيبراني ومكافحة الطائرات بدون طيار. كما يتضمن بنودًا للتعاون في مكافحة الأنفاق، في إشارة إلى التحديات التي تواجهها إسرائيل في قطاع غزة.
مواجهة التهديد الصيني المتزايد
تعتبر الصين منافسًا استراتيجيًا عالميًا للولايات المتحدة، وتتضمن موازنة الدفاع الوطني خطوات لتقييد شراء التكنولوجيا أو سلاسل التوريد الصينية، وتقليل الاعتماد على المكونات الصينية في الصناعة العسكرية الأمريكية. كما تؤكد على التزام واشنطن بتعزيز دفاع تايوان وردع أي عدوان عسكري صيني محتمل.
بنود إضافية وتأثيرها على السياسة الخارجية
بالإضافة إلى البنود الرئيسية المذكورة أعلاه، يتضمن القانون تقنين أكثر من 12 أمرًا تنفيذيًا للرئيس ترامب، بما في ذلك السماح باستخدام القوات المسلحة على طول الحدود الأمريكية المكسيكية. كما يخصص 400 مليون دولار للمساعدات العسكرية لأوكرانيا في السنتين الماليتين 2026 و2027. ويشمل أيضًا بندًا يزيد الضغط على البنتاغون لتقديم معلومات أكثر شفافية حول الضربات العسكرية في البحر الكاريبي.
الخلاصة
تعتبر موازنة الدفاع الوطني للعام 2026 تشريعًا شاملاً يعكس الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة في عالم متغير. من خلال تخصيص الموارد اللازمة لتعزيز القدرات العسكرية، وتعزيز التحالفات الاستراتيجية، ومواجهة التحديات العالمية، تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على أمنها القومي وحماية مصالحها في جميع أنحاء العالم. إلغاء قانون قيصر يمثل تحولًا كبيرًا في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، ولكنه مشروط بتحقيق تقدم ملموس في مجالات مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان. من المتوقع أن يكون لهذا القانون تأثير كبير على السياسة الخارجية الأمريكية في السنوات القادمة، ويستحق المتابعة والتحليل الدقيق.



