في 23 ديسمبر 2025، أحدثت الرسوم الجمركية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أبريل من العام نفسه، والتي وصفها بـ “يوم التحرير”، تحولاً كبيراً في التجارة العالمية. هذه السياسات، التي طالت الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة، أدت إلى اتفاقيات تجارية جديدة، ومن المتوقع أن تستمر في التأثير على المشهد الاقتصادي العالمي خلال عام 2026، على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها. يهدف هذا المقال إلى تحليل تأثير هذه الرسوم الجمركية، والتطورات التي أحدثتها، والتوقعات المستقبلية المحتملة.
تأثير الرسوم الجمركية على الاقتصاد الأمريكي والعالمي
أظهر تقرير مالي صادر عن مختبر الميزانية بجامعة ييل الأمريكية، نقله رويترز، أن سياسات ترامب التجارية رفعت متوسط معدل الرسوم الجمركية إلى حوالي 17%، مقارنة بأقل من 3% في نهاية عام 2024. تهدف هذه السياسات بشكل أساسي إلى إحياء قطاع التصنيع الأمريكي الذي كان يشهد تراجعاً ملحوظاً.
النتائج المباشرة لهذه الرسوم كانت إيرادات ضخمة للخزانة الأمريكية، حيث بلغت حوالي 30 مليار دولار شهرياً وفقاً لتقرير جامعة ييل. كما نجحت الرسوم في تحقيق هدف هام، وهو خفض العجز في الميزان التجاري الأمريكي بنسبة 10% بحلول نهاية سبتمبر الماضي، ليصل إلى 52.8 مليار دولار، وهو الأدنى منذ عام 2020، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز.
اتفاقيات تجارية جديدة وتفاعلات دولية
دفع فرض الرسوم الجمركية قادة العالم إلى السعي لإبرام اتفاقيات مع واشنطن لخفض هذه الرسوم، مقابل تعهدات باستثمارات بمليارات الدولارات داخل الولايات المتحدة. تم التوصل إلى اتفاقيات إطارية مع كبار الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، وسويسرا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وفيتنام، وغيرها.
واجهت هذه الاتفاقيات انتقادات واسعة، خاصة اتفاق الاتحاد الأوروبي الذي وافق على رسوم جمركية قدرها 15% على صادراته إلى السوق الأمريكية، بالإضافة إلى تقديم تعهدات باستثمارات كبيرة في الولايات المتحدة. وصف رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك، فرانسوا بايرو، الاتفاقية بأنها “خضوع” و”يوماً كئيباً” للتكتل، بينما اعتبرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أنها أفضل الخيارات المتاحة. ومع ذلك، تمكن المصدرون والاقتصادات الأوروبية من التكيف مع المعدل الجديد للرسوم بفضل الإعفاءات المتنوعة والبحث عن أسواق بديلة. وقدر بنك سوسيتيه جنرال الفرنسي أن الأثر المباشر للرسوم يعادل حوالي 0.37% فقط من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي.
العلاقة الأمريكية الصينية: تحديات مستمرة
على الرغم من جولات متعددة من المحادثات واللقاءات المباشرة بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ، لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بين الولايات المتحدة والصين، وهما أكبر اقتصادين في العالم. استمر الفائض التجاري الصيني في التجارة مع الولايات المتحدة في تجاوز تريليون دولار، حيث نجحت بكين في تنويع تجارتها بعيداً عن الولايات المتحدة.
استخدمت الصين نفوذها في سوق المعادن النادرة لمواجهة الضغوط الأمريكية والأوروبية الرامية إلى كبح فائضها التجاري. أظهرت هذه القدرة الأهمية الاستراتيجية للمعادن النادرة، التي تسيطر بكين على الجزء الأكبر من سوقها العالمي، وهي ضرورية لقطاعات حيوية مثل التكنولوجيا والسيارات وصناعات الأسلحة. هذا الأمر يبرز أهمية التجارة الدولية وتأثيرها على الأمن القومي.
توقعات النمو العالمي والتضخم
على عكس توقعات بعض الاقتصاديين بحدوث كارثة اقتصادية وارتفاع التضخم بسبب الرسوم الجمركية، لم يحدث ذلك. شهد الاقتصاد الأمريكي انكماشاً متواضعاً في الربع الأول بسبب اندفاع لاستيراد السلع قبل دخول الرسوم حيز التنفيذ، لكنه سرعان ما تعافى وواصل النمو بوتيرة قوية، مدفوعاً بطفرة استثمار في الذكاء الاصطناعي وإنفاق استهلاكي قوي.
ورفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي مرتين في الأشهر التي تلت إعلان ترامب عن الرسوم الجمركية، مع تراجع حالة الضبابية وإبرام اتفاقيات لخفض هذه الرسوم. على الرغم من أن التضخم في الولايات المتحدة لا يزال مرتفعاً إلى حد ما، يتوقع الاقتصاديون أن تكون الآثار أكثر اعتدالاً وأقصر أمداً مما كان يُخشى، مع تقاسم تكلفة الرسوم على الواردات عبر سلسلة الإمداد.
مستقبل الرسوم الجمركية: غموض قانوني
أحد أكبر أوجه الغموض في عام 2026 هو ما إذا كان سيُسمح باستمرار العديد من الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب. بدأت المحكمة العليا في الولايات المتحدة في أواخر عام 2025 النظر في الطعن على الأساس القانوني الذي استندت إليه الرسوم “المضادة” على السلع من دول معينة، والرسوم المفروضة على الصين وكندا والمكسيك المرتبطة بتدفق عقار الفنتانيل إلى الولايات المتحدة. من المتوقع صدور قرار بشأنها في أوائل عام 2026.
تؤكد إدارة ترامب أنها تستطيع استخدام سلطات قانونية أخرى للإبقاء على الرسوم إذا خسرت الدعوى، لكن هذه المسارات أكثر تعقيداً وغالباً ما تكون محدودة النطاق. لذلك، فإن خسارة إدارة ترامب أمام المحكمة العليا قد تدفع إلى إعادة التفاوض على الاتفاقيات التي أُبرمت حتى الآن أو تفتح الباب أمام مرحلة من الضبابية بشأن مصير الرسوم. بالإضافة إلى ذلك، هناك مساعي لتثبيت الاتفاق بين الولايات المتحدة والصين كملف تجاري بالغ الأهمية، حيث ستنتهي التهدئة الهشة التي جرى التوصل إليها في محادثات هذا العام في النصف الثاني من 2026.
وفي الختام، أحدثت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس ترامب تحولات كبيرة في التجارة العالمية، وأدت إلى اتفاقيات جديدة وتحديات مستمرة. مستقبل هذه السياسات لا يزال غير واضحاً، ويعتمد على قرارات المحكمة العليا والتطورات في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين ودول أخرى. من الضروري متابعة هذه التطورات لفهم تأثيرها على الاقتصاد العالمي واتخاذ القرارات المناسبة.


