طهران- أجّلت حكومة إيران الشهر الماضي اعتماد تسعيرة جديدة للبنزين للسيطرة على الطلب المتزايد عليه والحد من تهريبه، وذلك عشية دخولها حيز التنفيذ، مما أثار تساؤلات عن الأسباب والهواجس. هذا القرار، المتعلق بـ أسعار البنزين في إيران، يأتي في وقت حساس يشهد البلاد فيه تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، ويذكرنا بالتجربة المؤلمة لعام 2019. فهل هذا التأجيل دليل على تخوف الحكومة من ردود فعل شعبية غاضبة، أم أنه جزء من إعادة تقييم شاملة للسياسات الاقتصادية؟ هذا ما سنحاول استكشافه في هذا المقال.
خلفية القرار وتأجيله المفاجئ
بعد ست سنوات من آخر تعديل لأسعار الوقود، والذي أدى إلى احتجاجات واسعة النطاق في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أعلنت السلطات عن خطة لرفع أسعار البنزين بهدف “توجيه الدعم وترشيده للفئات المستحقة”. لكن قبل ساعات من تطبيق التسعيرة الجديدة، تم تأجيلها بشكل مفاجئ. في البداية، بررت المتحدثة باسم الحكومة، فاطمة مهاجران، التأجيل بعدم اكتمال الإجراءات اللازمة. إلا أن العديد من المراقبين يرون أن الخوف من التداعيات الاجتماعية والاقتصادية هو السبب الحقيقي وراء هذا القرار.
ارتفاع التضخم وتصاعد المطالبات بالإصلاح
تأتي هذه الخطوة في ظل ارتفاع معدلات التضخم في إيران، حيث أشار وزير الاقتصاد الإيراني، علي مدني زاده، إلى أن المؤشر وصل إلى 40%. هذا الوضع دفع 180 من علماء الاقتصاد وأساتذة الجامعات والسياسيين والناشطين إلى توجيه رسالة مفتوحة إلى الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، يطالبونه بتحقيق “العدالة والشفافية” في موازنة الدولة. الموقعون على الرسالة، الذين يضمون وزراء ودبلوماسيين سابقين، أكدوا أن أي إصلاحات اقتصادية، بما في ذلك تعديل أسعار الوقود، يجب أن تكون مصحوبة بتوازن حقيقي في الموازنة العامة للدولة.
شبكة الأمان الاجتماعي ضرورة حتمية
وشدد الموقعون على أهمية إنشاء “شبكة أمان اجتماعي” قوية لحماية الفئات الأكثر ضعفاً من تأثيرات هذه الإصلاحات. وحذروا من تكرار “السياسات المكلفة والفاشلة” التي تم تطبيقها في الماضي، والتي أدت إلى تفاقم الأوضاع المعيشية. الرسالة تعكس قلقاً متزايداً بشأن الأبعاد الاجتماعية للإصلاحات الاقتصادية، خاصةً في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية.
مخاوف من تداعيات رفع الأسعار
يرى الباحث السياسي، يوسف آكنده، أن تأجيل تطبيق التسعيرة الجديدة للبنزين يرجع في الأساس إلى مخاوف الحكومة من حدوث موجات تضخمية واضطرابات اجتماعية. ويوضح أن زيادة أسعار البنزين قد تساعد في سد جزء من عجز الموازنة، لكنها قد تتسبب في ضرر أكبر من السياسات الاقتصادية الحالية. ويؤكد أن الحكومة الإيرانية تتعامل مع الإصلاحات الاقتصادية كـ”عصا مرفوعة فوق رأس الشعب”، في حين أن التضخم قد أثقل كاهل المواطنين بالفعل.
تأثير رفع الأسعار على القوة الشرائية
تعاني شريحة كبيرة من الشعب الإيراني من تدهور حاد في القوة الشرائية. أكد العديد من المواطنين في مقابلات مع الجزيرة نت أن أسعار السلع الأساسية والخدمات قد ارتفعت بشكل ملحوظ خلال الأشهر القليلة الماضية، وأن الحديث عن رفع أسعار البنزين أدى إلى زيادة إضافية في أسعار المواد الغذائية مثل الأرز واللحوم والألبان. مرجان، وهي متقاعدة، عبرت عن إحباطها من ارتفاع الأسعار المستمر، مشيرة إلى أن نفس المبلغ من المال لم يعد يكفي لشراء نفس الكمية من الأرز.
نقد السياسات الاقتصادية وتحديات مستقبلية
عالم الاقتصاد الإيراني، آلبرت بغزيان، انتقد توقيت وطريقة رفع أسعار الوقود في إيران. وأشار إلى أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى زيادة الضغوط التضخمية في اقتصاد يعاني من أزمات متعددة. كما تساءل عن وجود وسائل نقل عام بديلة يمكن أن تخفف من تأثير رفع الأسعار على المواطنين. والأمر الذي يثير القلق هو أن الرسالة التي أرسلها أصحاب الاختصاص إلى الرئيس تتناول السياسة الاقتصادية في إيران وتشير إلى وجود فجوة كبيرة بين الخطابات الرسمية والواقع المرير الذي يعيشه المواطن.
حلول مقترحة لمعالجة الأزمة
العديد من الخبراء يرون أن حل الأزمة يتطلب إصلاحات هيكلية شاملة. ويشترط الباحث الاقتصادي، علي محمدي، لنجاح أي خطة لرفع أسعار البنزين، مرافقتها بثلاثة إصلاحات أساسية: تحديث قوانين الطاقة لمنع التهريب، ومعالجة الخسائر المتراكمة في المصافي، وتنسيق السياسات مع برامج دعم محدودي الدخل. ويؤكد محمدي أن رفع أسعار البنزين يجب أن يكون جزءاً من حل متعدد الأبعاد يركز على علاج الأسباب الجذرية للهدر وتعزيز كفاءة الطاقة.
في الختام، يعكس تأجيل رفع أسعار البنزين في إيران حالة من الحذر والترقب. فبينما تعتبر الحكومة أن هذا الإجراء ضروري لتحقيق التوازن المالي، يخشى العديد من المراقبين والمواطنين من تداعياته الاجتماعية والاقتصادية. النجاح في معالجة هذه الأزمة يتطلب رؤية شاملة، وإصلاحات هيكلية حقيقية، وشبكة أمان اجتماعي قوية لحماية الفئات الأكثر ضعفاً، بالإضافة إلى معالجة جذرية لظاهرة تهريب الوقود. تطورات الوضع الاقتصادي في إيران ستكون حاسمة في تحديد مستقبل هذه السياسات.



