خفض النقد في فلسطين: خطوات نحو تعزيز الاقتصاد ومواجهة تحديات الشيكل

تتجه السلطة الفلسطينية نحو خطوة اقتصادية هامة تهدف إلى تقليل الاعتماد على النقد في السوق الفلسطيني، في محاولة لتعزيز النمو الاقتصادي والتخفيف من مشكلة تراكم الشيكل الإسرائيلي في البنوك الفلسطينية. هذه الخطوة، التي تأتي في شكل مشروع قانون، تهدف أيضًا إلى تحديث البنية المالية الفلسطينية لتتماشى مع المعايير الدولية. نشرت سلطة النقد الفلسطينية، وهي بمثابة البنك المركزي، نص مشروع القانون للجمهور لإتاحة الفرصة لإبداء الملاحظات قبل إصداره رسميًا بمرسوم من الرئيس محمود عباس. يعتبر هذا الإجراء خطوة استباقية لضمان مشاركة الجهات المعنية في صياغة وتنفيذ هذه السياسة الجديدة.

أهداف مشروع قانون خفض النقد

يهدف مشروع القانون، كما نصت المادة الثانية منه، إلى تحقيق هدفين رئيسيين: الأول هو تخفيض استخدام النقد في المعاملات، والثاني هو إدارة المخاطر المرتبطة بالتعاملات النقدية. هذا التحول يهدف إلى تعزيز استخدام وسائل الدفع غير النقدية، مثل البطاقات الائتمانية والتحويلات الإلكترونية، في مختلف القطاعات الاقتصادية. تهدف هذه الخطوة إلى خلق نظام مالي أكثر شفافية وكفاءة، مما يقلل من فرص التهرب الضريبي وغسيل الأموال، ويساهم في بناء اقتصاد فلسطيني أكثر استقرارًا.

تفاصيل مشروع القانون: حدود المعاملات والغرامات

يحظر مشروع القانون الدفع النقدي في المعاملات التي تتجاوز قيمتها 20 ألف شيكل إسرائيلي (ما يعادل تقريبًا 6 آلاف دولار أمريكي) أو ما يعادلها من العملات الأخرى المتداولة في فلسطين. ومع ذلك، فإن القانون يتيح لسلطة النقد تعديل هذا السقف بقرار رسمي، يتم التنسيق بشأنه مع وزارة المالية والجهات ذات الصلة.

ولضمان الالتزام بالقانون، نص المشروع على فرض غرامات مالية على المخالفين قد تصل إلى 15% من القيمة الإجمالية للمعاملة النقدية غير القانونية. هذا الإجراء الرادع يهدف إلى تشجيع الالتزام بالقانون الجديد وتعزيز التحول نحو الدفع الإلكتروني.

رؤية سلطة النقد: تطوير البيئة المالية

أكد يحيى شنّار، رئيس سلطة النقد، أن مشروع القانون تم إعداده بالتشاور الوثيق مع مختلف الجهات الرسمية ومؤسسات القطاع الخاص. وأوضح أن القانون يستند إلى المعايير الدولية وأفضل الممارسات التي تتبعها الدول الأخرى التي لديها قوانين مماثلة.

وأضاف شنّار أن الهدف الأساسي من القانون هو تطوير بيئة مالية أكثر كفاءة وأمانًا، والتغلب على مشكلة تراكم النقد، وخاصة الشيكل الإسرائيلي، في السوق الفلسطيني. كما يسعى القانون إلى تشجيع التحول نحو وسائل الدفع الإلكترونية، مما يعود بالنفع على الأفراد والمؤسسات على حد سواء. تشير الإحصائيات إلى أن 96% من الإيداعات النقدية بالشيكل لا تتجاوز 20 ألف شيكل، مما يدعم منطقية السقف المقترح.

أزمة “تكدس الشيكل”: الأسباب والتحديات

تعتبر مسألة “تكدس الشيكل” من أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد الفلسطيني. بحسب الإحصائيات الرسمية، بلغت قيمة الشيكل المتراكم في البنوك الفلسطينية حوالي 15 مليار شيكل. ويرجع هذا التكدس إلى السياسات الاقتصادية الإسرائيلية التي تهدف إلى خنق الاقتصاد الفلسطيني وتقييد تدفق الأموال إليه.

وكشف شنّار أن سلطة النقد قامت بتحويل مبلغ 18 مليار شيكل (أي ما يعادل 5.5 مليار دولار أمريكي) إلى عام 2025. وتواصل سلطة النقد جهودها الدبلوماسية مع الأطراف الدولية للضغط على إسرائيل لرفع سقف استقبال النقد، الذي يحد من قدرة البنوك الفلسطينية على إيداع الشيكل في البنك المركزي الإسرائيلي. العمليات المالية بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية تصل إلى مليارات الشواكل شهريًا، مما يشير إلى الاعتماد الكبير على الشيكل في الاقتصاد الفلسطيني.

آراء الخبراء: دعم ومخاوف حول قانون الدفع النقدي

يرى الخبير المصرفي والمستشار المالي محمد سلامة أن مشروع القانون يمثل خطوة إيجابية نحو تقنين التعاملات النقدية والسيطرة على كمية النقد المتداولة في السوق. وأشار إلى أن زيادة النقد المتداول في الاقتصاد الفلسطيني قد تجاوزت الحاجة الفعلية. وأكد سلامة أن تقليل الاعتماد على النقد له فوائد اقتصادية كبيرة، بما في ذلك توفير تكاليف التعامل والتخزين والتأمين، وتقليل المخاطر المرتبطة بالنقود، بالإضافة إلى ارتباطه المحتمل بانخفاض معدلات الجريمة.

وفي هذا السياق، أيد سلامة القانون، لكنه اقترح خفض السقف إلى 10 آلاف شيكل، مستندًا إلى بيانات سلطة النقد التي تشير إلى أن أكثر من 80% من الإيداعات لا تتجاوز 5 آلاف شيكل. وأوضح أن القرار لا يتعلق بالحيازة أو الإيداع، بل بالمعاملات التجارية التي يجب أن تتم عن طريق وسائل الدفع الإلكترونية. وأكد على أن هذا التحول القانوني يدعم نظام الضرائب ومكافحة غسيل الأموال.

من جانبه، أعرب الدكتور نصر عطياني، الخبير الاقتصادي وأمين سر الاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين، عن تأييده لمبدأ التحول نحو الخدمات الإلكترونية، ولكنه شدد على أهمية مراعاة خصوصية الاقتصاد الفلسطيني في ظل الاحتلال الإسرائيلي. وتساءل عن مدى إمكانية تحقيق أهداف القانون في ظل استمرار إسرائيل في تكريس مشكلة تكدس الشيكل. وأشار إلى أهمية تطوير البنية التحتية المصرفية وزيادة وعي المواطنين بأهمية الدفع الإلكتروني.

وأضاف عطياني أن إسرائيل تفرض قيودًا على الاقتصاد الفلسطيني، بما في ذلك منع إدخال عملة الدينار الأردني، مما يعيق أي جهود للتنمية الاقتصادية.

مستقبل الدفع الإلكتروني في فلسطين

ختامًا، يمثل مشروع قانون خفض النقد خطوة هامة نحو تحديث النظام المالي الفلسطيني وتعزيز النمو الاقتصادي. على الرغم من التحديات التي تفرضها الظروف السياسية والاقتصادية الراهنة، فإن التحول نحو الدفع الإلكتروني يعتبر ضرورة حتمية لمواكبة التطورات العالمية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي. يتطلب نجاح هذا التحول تضافر الجهود بين السلطة الفلسطينية والقطاع الخاص والمجتمع الدولي، بالإضافة إلى العمل على تطوير البنية التحتية المصرفية وزيادة وعي المواطنين. مع مزيد من التنفيذ والتعاون، يمكن أن يؤدي هذا القانون إلى مستقبل مالي أكثر ازدهارًا وأمانًا للشعب الفلسطيني.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version